الدعاء سلاح “ذو حديْن”

الأستاذة/ سمية رمضان

مستشار أسرى

أنا فتاة أبلغ من العمر الخامسة والعشرين، متعلمة وعلى قدر من الجمال، عندما كنت فى الثالثة عشر تقدم لى الكثير من الخطاب، إلى أن وصلت إلى العشرين، حيث كنت أرفض الزواج فى هذا الوقت، وكان أهلى يعترضون على رفضي، مما جعلنى أدعو الله على نفسى ألا أتزوج، إلا وأنا فى السابعة والعشرين.

والآن ندمت على هذا الدعاء، الذى كنت أدعو به على نفسي، فلم أكن أدرى وقتها أن الأفضل للبنت أن تتزوج فى سن مبكر ومناسب، ووجدت أن الله قد استجاب دعائي، لكن الآن أنا لا أعلم ماذا أفعل ؟ وأنا أدعو الله أن أتزوج الآن قبل الغد.

فهل يقبل الله الدعاء على النفس بهذا الشكل؟ أنا ندمت أشد الندم على هذا الدعاء، فكيف أكفر عن هذا الأمر؟ وهل يقبل الله دعائى وييسر لى أمر الزواج؟ علماً بأننى الآن شديدة الإحباط، أرجو العفو من الله.. وسرعة الرد منكم.

أختى الحبيبة: يا ابنة الخمس والعشرين ربيعًا، سعدت برسالتك، وأشكرك لثقتك فى إخوانك بجريدة الفتح اليوم، كما أشكرك أيضًا لأنك آثرت موضوعًا فى غاية الأهمية، وهو الدعاء.

والدعاء يا فتاتى هو سلاح المؤمن، ولكنه سلاح ذو حدين، ولذلك يجب علينا استعماله الاستعمال الصحيح، وإلا لتحول من أداة للدفاع عنا، إلى أداة لتدميرنا، والكثير منا قد يرى الخير فى أمرٍ ما، ويلح فى دعائه إلى الله بهذا الأمر، ولكن ربما كان هذا الأمر شرًّا ولا ندري: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً}، ولذلك فمن أفضل الأدعية، اللهم يسر لى الخير حيث كان، لأن الخير يعلمه الله وحده.

احذرى هذا الدعاء!
ولأن الدعاء سلاح ذو حدين، فقد حذرنا النبى صلى الله عليه وسلم من استخدامه بشكل ضار، فنهانا عن الدعاء على أنفسنا وأولادنا وأموالنا، فربما صادف دعاؤنا ساعة إجابة، فنندم فى وقت لا ينفع فيه الندم، فعن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم:”لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ” [مسلم].

ولكن.. لا تحزنى حبيبتى الفتاة، لا تشعرى بتأنيب الضمير، ولا تظنى أن سبب تأخر زواجكِ حتى الآن هو الدعاء، فالله قد كتب أقدارنا قبل أن تولدي، بل قبل أن نُخلقَ بآلاف السنين، والتى منها موعد زواجك، واسم الزوج. وربما صادف دعاؤك القدر، فظننتِ أن تأخر زواجك عقاب من الله؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلا فِى أَنفُسِكُمْ إِلا فِى كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.

وقال صلى الله عليه وسلم: “كَتَبَ اللّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَىَ الْمَاءِ” [مسلم].

ولا تحزنى لتأخر زواجكِ حتى الآن، فربما كان تأخر زواجكِ فيه خير لك، فماذا لو كنتِ تزوجتِ بزوجٍ غير صالح؟ بالتأكيد كنتِ ستلاقين معه العنت والمشقة، وكنتِ ستندمين على أنكِ تزوجتى فى ذلك الحين، ولهذا علينا الرضا التام بقضاء الله؛ فالرضا ركن من أركان الإيمان، ودليل العرفان بنعم الله عز وجل.

ولم تحزني؟! والله قد هيأنا الآن لندعو لكِ بظهر الغيب كى يرزقك الله زوجًا صالحًا “إن أحبكِ أكرمك، وإن كرهكِ لم يظلمكِ”، فهنيئًا لكِ خير القدر من الله، والدعاء منا. ولماذا الحزن وأنت تملكين نفس السلاح، فتضرعى إلى الله بقلب يملؤه الرجاء فى رحمته وعفوه وكرمه؟!

وما أجمل أن نتدرب سويًّا على استخدام هذا السلاح جيدًا؛ فننتفع به دون ضرر، وما أحلى أن ترددى دعاء عباد الرحمن، الذى ورد فى القرآن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74].

الدعاء هو العبادة
والآن إليك منحة عظيمة من الله يا فتاتي، بل منح كثيرة، لا تعد ولا تحصى، نجنيها من الدعاء، فالدعاء ينفعنا فى الدنيا، فيكون وسيلة لقضاء حوائجنا، كما أننا نثاب عليه؛ لأن الدعاء من أسمى العبادات، بل هو العبادة، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “الدعاءُ هُوَ العبادةُ” [أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيّ].

والله تبارك وتعالى يقولُ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60]؛ فالله تعالى قال {يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} ولم يقلْ يستكبرون عن دعائي.. نعم؛ لأنّ الدعاءُ هو العبادةُ، والعبادةُ هى الدعاءُ؛ فالداعون متوجهونَ إلَى اللهِ عزّ وجلّ فِى كلّ أحوالِهم وأوقاتِهم.

وأخيرًا: أرجو ألا تقلقي، فقد مر خمس وعشرون عامًا، ولم يبقَ سوى عامان اثنان فقط إذا كان قد استجاب الله دعاءكِ، فتبسمى يا أختي، ولا تنزعجى فأقدار الله كلها خير، وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأكِ لم يكن ليصيبك.

وفقك الله لما فيه الخير، ورزقكِ سعادة الدارين، وشرح صدرك بالإيمان والرضا، ورزقك الزوج الصالح؛ ليكون قرة عينك، ورزقك بالأبناء الصالحين.. اللهم إنا ندعوك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.