نَسَمَاتٌ لُغَوِيَّة.. الفعلان (لَــبِــسَ ولَــبَــسَ)

فنون
طبوغرافي

DSC_0128

 

بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد عادل عبد المولى

أستاذ مساعد النقد الأدبي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

 

 

 

اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا؛ إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.

 
ونسمة اليوم مع الفعلين (لَبِسَ) و(لَبَسَ)، أما الأول فهو بكسر الباء في الماضي، وفتحها في المضارع فنقول: (لَبِسَ يَلْبَس)، وأما الآخر فمعكوس الأول في ضبط عين الكلمة (أي الحرف الأوسط فيها وهو هنا حرف الباء)، فهو بفتح الباء في الماضي، وكسرها في المضارع، فنقول: (لَبَسَ يَلْبِس). فما الفرق بينهما؟

 

 

أما الفعل الأول (لَبِسَ يَلْبَس) فهو من (اللُّــبْس) وهو ارتداء الثوب، و(اللِّــبْس) ما يُلبَس، وهو ما نقوله في العامية المصرية (لِبِس ويِلْبِس)، وقد ورد هذا الفعل في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: "وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا" (النحل- 14)، وقوله تعالى: "وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ" (الكهف- 31). و(اللِّبَاس) مَا يستر الْجِسْم، والجمع: ألبسة وَلُبُس، كما ورد في قوله تعالى: "يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" (الاعراف– 26)، وكذلك ورد فِي التَّنْزِيل الْعَزِيز أن َالزَّوْج وَالزَّوْجَة كل مِنْهُمَا لِبَاس للْآخر: "هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ" (البقرة- 187).

 
وأما الفعل الآخر (لَبَسَ يَلْبِس) فهو من (اللَّــبْس) أو (الالتباس)، وهو الخلط، فيقال: لبَس عليه الأمرُ: اختلط واشتبه بغيرِه، ولبَس الأمرَ عليه: خلَطه وعمّاه حتّى لا يعرف حقيقتَه، وقد جاء هذا الفعل بهذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى: "يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (آل عمران- 71)، وقوله تعالى: "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ" (الأنعام- 9). كما جاء المصدر في قوله تعالى: "بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ" (ق- 15).
ولذلك نقول في عاميتنا في حالات الاشتباه: "حصل لبس". و(اللُّبْسة) هي الشبهة، والجمع: لُبْسات.

و(تَلَبَّسَ) بِالثَّوْبِ وبالأمرِ، وكذلك تَلبَّس به الأمرُ: اخْتَلَط، واشتبه وتعلّق به: فيقال: "تلبَّس حُبُّها بدمه". ولذلك يقال عن المجرم: "ضُبط في حالة تلبُّس بالجريمة، أي حالة تعلّق بها حال ارتكابه لها، وكذلك (لابسه ملابسة) أي: خالطه واتَّصل به، ولذلك يقال في القضاء: ملابسات القضية، أي ما يتعلّق بها.

 

 

وقد جاء في معجم (مقاييس اللغة) لابن فارس: "(لَبِسَ): اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى مُخَالَطَةٍ وَمُدَاخَلَةٍ. مِنْ ذَلِكَ لَبِسْتُ الثَّوْبَ أَلْبَسُهُ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَمِنْهُ تَتَفَرَّعُ الْفُرُوعُ. وَاللَّبْسُ: اخْتِلَاطُ الْأَمْرِ; يُقَالُ: لَبَسْتُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ أُلْبِسُهُ بِكَسْرِهَا."

وبذلك نرى أن مادة (ل ب س) تدور حول معنى الاختلاط والتعلّق، بيد أنها في (لَبِسَ يَلْبَسُ) اختلاط بالثوب بارتدائه، وفي (لَبَسَ يَلْبَسُ) اختلاط الأمر باشتباهه.