بعد سقوط الأندلس كان إذا سُمع عربي يتكلم قُطع لسانه

فنون
طبوغرافي

هل يوجد إقبال على تعلّم اللغة العربية فى أوربا؟
تعليم العربية في البلاد الأوربية في تحسن مطّرد، وهو تحسن نسبي أتاحه انتشار المراكز والمساجد والعمل الدعوي والتوعوي، كما يوجد اختلاف كبير بين البلدان الأوروبية، من بلدان لا تدعم تعليم العربية بتاتا إلى بلدان مستعدة لدعم المدارس العربية ماليا دون أي إشكال. والحال عامّة ينبئ بما هو أحسن.

ثم إن الإمكانيات المادية التي تتوفر لدينا محدودة جدا مقارنة بما هو مطلوب. فنحن في المرصد الأوربي لتعليم اللغة العربية مازلنا نجمع المساعدات من أجل فتح مركز للعربية في باريس، أو حتى مجرد مقر لاستقبال ضيوفنا، وليس من الهين تعليم ملايين الشباب اللغة العربية والثقافة والأخلاق والقيم
والمشكلة أن الشباب يشتكون من كونهم يتعلمون الفصحى ولا يجدون مجالا تطبيقيا يبدعون من خلاله باللغة العربية، حتى صارت العربية أشبه بلغة شعائرية، مقصورة على حياة المساجد والمراكز الإسلامية..

كما أن التواصل الفكري مع الكتاب العربي شبه معدوم وهذا في نظري خطر كبير لأن الناس في أوربا لا يعرفون في غالبيتهم ما يكتب وينشر في العالم العربي وليست هناك حركة ثقافية نشطة باللغة العربية عدا اللقاءات العامة والمحاضرات ولقاءات المثقفين العرب التي غالبا ما تكون متوازية مع ترجمة فورية..

ما سر نجاح تجربتك؟
لقد سررنا جدا أن نرى بعض الجمعيات العاملة في مجال تعليم اللغة العربية تقوم باستنساخ أفكار ومشاريع يطرحها المرصد الأوروبي لتعليم اللغة العربية، لكن تلك الجمعيات نفسها حينما تعرض عليها فكرة التعاون والتآزر وربط علاقات بينية لتقوية القدرات وتراكم الخبرات، تجدها غير قادرة على ذلك.. ربما بسبب قلة الوعي بأهمية ما ننادي به من تفعيل الذكاء الجماعي.. لكن الإصرار والإخلاص سيجعل هؤلاء يقتنعون يوما ما.

ما الدافع إلى توسيع النشاط وتجسيد الفكرة في ظل الرهانات الجديدة؟
نحن نؤمن أن تعليم اللغة العربية وتطويرها واستنباتها في الأرض الأوروبية هو أمر في صالح المواطنة الأوربية وفي صالح الأوربيين وفي صالح الثقافة العربية وفي صالح الإسلام وفي صالح تجربة التواجد للمسلم في الأرض الأوروبية. نحن نتمنى أن تكون اللغة العربية لغة أوربية كما أنّ الفرنسية هي لغة مغاربية تبناها الكثير من الناس عندنا وأتقنوها وكتبوا بها. ونحن على وع تام بأن الله عدّ الاختلاف من الآيات وليس الاختلاط. لا نحب اختلاط اللغة بل اختلافها. لا نريد أن تصير اللهجات العربية لهجات مشوهة ممجوجة مخلوطة دون موجب بلغات أخرى لأنها تفقد بذلك خصوصيتها وروعتها ورونقها.. جهدنا موجّه للإنسان فهو الذي نعنيه بالثقافة وهو المعنيّ بكل جهودنا.

أما الوصول إلى ذلك الإنسان، فلن يكون إلا عبر المعلم والأستاذ والمربي. فلكي نصل إلى الإنسان ككل، علينا أن نرافق المعلم والأستاذ في مهمته النبيلة من أجل التألق في تعليم العربية للناطقين بغيرها، بأفضل الوسائل وأقربها للإتقان والحرفية.

ما هي الرسالة التي توجهونها لأهل لغة الضاد ومحبيها؟
أقول لمحبي الضاد في كل مكان، إن تشويه اللغة العربية ـ لغة الوحي والحضارة والعقل والعلم ـ تعدّ من أكبر منكرات عصرنا. ولقد طفتُ شخصيا بأرجاء كثيرة من العالم ولكنني لم أر أكثر إهمالا واحتقارا واستصغارا من "عرب اليوم" للغتهم الفصيحة.. إن ذلك يعد انتحارا ثقافيا لا مبرر له على الإطلاق. فالناس في بلداننا "العربية" لا يعون خطورة الأمر لأنهم يعيشون خارج التاريخ في الوقت الحاضر..

ولو اعتبرنا ببعض مآسي الماضي، ربما سيكون في ذلك عبرة لنا، فعلى سبيل المثال، على كل واحد من مضيعي اللغة العربية أن يعرف القانون الذي كان ساريا بعد سقوط الأندلس كان إذا سُمع عربي أو بربري يتكلم العربية قُطع لسانه، فذهبت اللغة بعد ذلك الجيل.

وذهب الدين والحضارة في تلك الرّبوع بذهاب اللغة. كثير من العرب اليوم وخاصة في الشبكة يقطعون ألسنتهم بأيديهم.. هذا هو الانتحار الثقافي الجماعي.. الذي ينبغي محاربته. وللمعلم والمربي والأستاذ الدور الأخطر على الإطلاق. فلا مناص لنا اليوم من إعادة اعتبار الدور الحاسم لهؤلاء ضمن سياق منظومة تربوية تراعي الإنسان في أدق حاجاته وكفاياته وتوازناته في ظل الانتشار المكثف للمعلومات غير القابلة والتأصيل من دون معلم.