الكتابة بين علوّ المكانة والمهانة

قصص وروايات
طبوغرافي

الأديبة / هبة سالم - باحث بالنقد الأدبي

للكتابة قيمة أيديولوجية كبيرة في ضمير المجتمع العربيّ، بكفتي ميزانها: الشِّعْر والنّثْر، وليس أدل على تلك القيمة من أن الله – عزَّ وجلَّ- وصف بها الحفظة الكرام من الملائكة؛ فقال: " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ"، وقد شُرِّف القلم – الذي هو آلة الكتابة- بأن سُميت سورة باسمه سورة "القلم"، والتي مطلعُها: "ن، وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ"، والقلم -هنا- يشمل كل الأقلام، التي تكتب بها أنواع العلوم، ويسطر بها المنظوم والمنثور، ولربما ترمز الـ "ن" إلى حرف الصّوت العربيّ بعامة، أو بوصفها بداية استهلالية تمهِّد لهيمنة صوت النون على نهاية الآيات، حيث تنتهي ثلاث وأربعون آية بحرف صوت النون، المتميز بالاعتدال بين الرخاوة والشدة، فترك صوت النون للميم الذي ينوب عنه أحيانا في حالة الإقلاب تسع آيات فقط، هيمنة صوتية تحدث نغما يزيد صور السورة رسوخا في ذهن المُتَلقّي، كما يوضح للمتلقي قيمة الاستهلال به.

" اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم" وتشريف آخر للقلم الذي تتشكل منه أولى أبجديات القرآن الكريم، وأولى سوره، والعربيّ يعبر عن تلك القيمة التشريفية للقلم. والكتابة بوصفها صنعةً، لابد فيها من أمور أربعة: - مادتُها: وهي الألفاظ التي تخيلها الكاتب المبدع في أوهامه، وتصوَّر من ضم بعضها إلى بعض صورةً باطنة في نفسه بالقوة.

والخطُّ: الذي يخطه القلم، ويقيد به تلك الصور، وتصير بعد أن كانت صورة معقولة باطنة صورةً محسوسةً ظاهرةً. وآلتُها: القلم. وغرضُها الذي ينقطع الفعل عنده: تقييد الألفاظ بالرسوم الخطية. فتكمل قوة النطق، كما تحصل الفائدة للأبعد والأقرب، وتحفظ صوره، ويؤمن عليه من التغير والتبدل والضياع. وأنعم بها من صنعة، وأكرم بصانع يمتهن يهوى الكتابة، ترفع قدر صانعها، وتعلي من شأنه، ومقابلها الأُميَّة التي تعني عدم معرفة القراءة والكتابة.

وإننا اليوم، وعندما ننظر إلى النتاج الإبداعيّ، نجد الكثير منه لم يسلم من هجنة الخطأ، وانحدار الأسلوب، وضعف التراكيب المستخدمة، فتلك " مقالة في صدر جريدة خُيّل إلى كاتبها أنّه يجري والجاحظ في عنان واحد.

تُمرّ نظرك على سطورها؛ فترى الهفوات اللغويّة آخذة برقاب المغالط النحويّة والصّرفيّة، وترى في بعض فقراتها المبتذلة ألفاظًا جزلة استعملها الكاتب، كما سمعها أو قرأها ترصيعًا لإنشائه، فكانت كالرقاع الجديدة في الثوب الرث، أو كالقلائد الدُّريّة في أعناق إماءٍ من الزّنج، وزادت الإنشاءُ سماجةً؛ لأنها أجنبيّة عنه، ولا تناسب بينها وبينه".

وهذا الكلام ينطبق على كثير مما نراه أمام أعيننا في وقتنا الحالي، وذلك نراه في عدة محاور، وهي: تحريف بناء المصدر، مثل: "مناولة الطعام"، والصواب "تناول الطعام".

- تحريف بناء الجمع، مثل: " نواياهم"، والصواب "نياتهم". -تحريف الأحرف أو الحركات، مثل: " خطيرة"، والصواب "خطِرة".

- تحريف اسم الفاعل، مثل: "الخطر المُداهم"، والصواب "الخطر الدّاهم". وكثير من المغالطات التي من كثرة شيوعها ظن الكتّاب أنّها صائبة، مما يجعلنا نهين اللغة بتهاوننا في عدم تأصيل اللفظة المتناولة في السرد أوالحكي أو الإبداع.