أجدادنا الطيبون (يا بنات الحور اتركوا القمر .. القمر مخنوق وليس عندنا خبر )

قصص وروايات
طبوغرافي

عبد العظيم عمران

يا بنات الحور اتركوا القمر .. القمر مخنوق وليس عندنا خبر
بالطبع لم تكن تقال هذه العبارة بهذه اللغة الفصيحة، ولكن حبي للغة الفصحى جعلني أجعلها بدلًا للهجة قريتي التي تختلط بالزروع والنخيل.. كانت الأصوات ترن في دروب قصر حيدر، تعلو حين توازي البيوت، ثم تخفت شيئًا فشيئًا حين تمر وتتباعد عنها:
يا بنات الحور سيبو القمر .. ده القمر مخنوق وما عندناش خبر .

نظرت ساعتها للقمر، فوجدته باهتًا تخيلت علامات الاختناق عليه، وكنت أشعر بالخوف كما يشعر أهل القرية، سألت من هو أكبر مني، لماذا يخنق بنات الحور القمر، فنظروا إلى نظرة تجمع بين الخوف والاستغراب، قالوا: إن القمر تطلع إلى بنات الحور، ونظر إلى جمالهن، وربما تفوه ببعض كلمات الإعجاب، فما كان منهن إلا العزم على الانتقام منه، كان الأصوات تعلو وتعلو، وكلما خفتت صاح أحد شباب القرية في الطائفين، فإذا الصوت يعلو ويعلو، ها هو هلالي أبو محمدين يستحث الناس حتى يصل صوتهم إلى أعلى فتلتقطه آذان بنات الحور، فيأخذهن العطف والإشفاق فيتركن القمر.

تذكرت النخلتين وزير الماء حينما حنت أجلس مع ابن عمي في أحد الليالي، وسألته عن القمر فقال لي هل ترى النخلتين وتحتهما زير الماء على وجه القمر؟ وحدقت وحدقت نعم نخلتان يكان جريدهما يظهر للعيان، وهاهو الزير تحت ظلهما ربما مر أحد الظامئين فأخذ بعض الرشفات من الماء حتى يروي ظمأه.

الناس تطوف القرية شرقها وغربها، لو نجح بنات الحور في خنق القمر لأظلمت الدنيا وربما قامت القيامة هكذا كانوا يقولون. وربما حرموا من الجلسات الجميلة في ليالي الصيف تحت نور القمر، شيئًا فشيئًا تتسرب العافية إلى وجه القمر ويبدأ نوره يزداد شيئًا فشيئًا، تتهلل وجوه الطائفين وترتسم البسمات على وجوههم ، ويكثر الحمد والتكبير لقد سمعت بنات الحور استغاثتهم فتركوا القمر يجري في عالم النور.

تلك أسطورة من أساطير قصر حيدر عشتها في طفولتي واختفت بعدها، ولكنها ما زالت تعيش في داخلي على جدران الزمن الجميل.