ليت كل أيامنا رمضان

منوعات ...
طبوغرافي

IMG_8061

 

 

بقلم: أ. علا زيادة 

مرشد نفسي وأسري

 

 

 

إذا كنا نسير فى أحد الأسواق وشاهدنا طفلا برفقة والده، وأمسك بقطعة من الحلوى يريد أن يأكلها وتركه والده يلتهمها فسوف يفقد الطفل تحكمه الذاتى فى رغباته وشهواته، أما إذا نصحه بالانتظار حتى يدفع ثمنها فسوف تقوى إرادة الطفل ويتمكن من التحكم فى ذاته، ويتعلم تأجيل إشباع دوافعه. والصوم خير مثال على ذلك حيث يستطيع الصائم كبح جماح نفسه وإرجاء إشباع رغباته وبالتالي نمو وتعلم عادات جديدة سوية وصحية للنفس. وبنهاية الشهر الفضيل فإن هذه العادات قد تصبح جزءا من شخصيته.

 
وقد ارتبط هذا الشهر المبارك بالعديد من العادات والممارسات التي تنعكس إيجابيا على الصحة النفسية، حيث مشاركة الآخرين في العبادات والأعمال الصالحة كالمواظبة على الصلاة في أوقاتها وذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن الكريم والاعتكاف بالمساجد، والتى تعيد للنفس توازنها وتبعد التفكير عن إيذاء النفس والآخرين وتساعد على قبول الذات كما هي، وتزيد من تفاؤل الفرد ورضاه عن حياته فتخفض من القلق والغضب والتوتر وحالات الاكتئاب التى تعترى البعض نتيجة لوقوع الفرد فريسة لهمومه وضغوط حياته وتشاؤمه فى مواجهتها.. ولكن الصيام يدفعه بعيدا عنها ويزيد من قدرته على التمسك بزمام الأمور فى حياته، ويبعث على الأمل فى مواجهة الضغوط والتخلص منها بأفضل الطرق الفعالة حيث نتقرب إلى الله عز وجل واتباع هذا الطريق الإيمانى الملئ بالصوم وفضائله والمحافظة على الصلوات وذكر الله رغبة فى نيل الثواب- يزيد من طاقاتنا الإيجابية وراحتنا النفسية.

 
وصيام رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب بقدر ما هو امتناع عن ارتكاب المعاصى والعادات والسلوكيات السيئة والمنبوذة التى تثقل النفس؛ واستبدالها سلوكيات إيجابية، والتي تزيل هموم النفس، وتزيد الطمأنينة والراحة النفسية والطاقة الإيجابية بها. فالصيام يعمل كدرع واق من الوقوع فى الأخطاء؛ فترى البعض من حولنا ممن يقومون بالعديد من العادات السيئة مثل التدخين والنميمة وإلقاء الألفاظ النابية- يتوقفون عنها فور رؤية هلال هذا الشهر المبارك. وبالتالي تتاح للكثيرين الفرصة للإقلاع عن هذه العادات المذمومة. فالصوم يساعد على تهذيب النفس وتطهيرها وغرس التواضع والمحبة بها ونيل الراحة والرضا، وتقوية الإرادة وترك الكراهية والتشاؤم والعدوانية والتحكم فى الشهوات فيعيد السلام والتوازن الروحى والنفسى.

 
كما يتمتع شهر رمضان بأجواء روحانية مميزة يعيشها الفرد والأسرة حيث يجتمعون معا للإفطار والصلاة والسحور وغيرها من العبادات، فتزيل بذلك حواجز العزلة لدى الأفراد خاصة الذين يشعرون بالوحدة والانطواء، ويعانون من الاضطرابات والمشكلات النفسية التي تحول دون مشاركتهم للآخرين والتفاعل معهم حيث تزيد الألفة بينهم وتقوي روابط التواصل الاجتماعى والتراحم والعلاقات الأسرىة مما يبعث على الراحة النفسية والسعادة والتخلص من المشاعر والانفعالات والأفكار السلبية. كما أنهم يمتنعون عن الطعام الشراب وغيرها؛ فيدركون معاناة الفقراء وحرمانهم من ملذات الحياة التي يتمتعون هم بها، فيزيد بذلك مشاعر الرحمة والعطف لديهم نحو الآخرين، ويزيد من التواضع والمحبة وكسر شهوة التكبر وإبدالها لينا وعطفا.

 
ويعد شهر رمضان فرصة عظيمة لمن يغتنمها في تجديد حياته وتعديل مخططاته، وتغيير أسلوب معيشته وتفكيره للأفضل وخاصة لمن يعاني من مشكلات نفسية واجتماعية فبدلا من أن يكون هذا الشهر مجرد فترة عابرة تمر كل عام من عمره فإنه يتمسك بهذه الفرصة التي تأتيه لتكون بداية جديدة لحياة سعيدة مستقرة مليئة بالطاعات والإيجابيات بعيدًا عن الحياة الزائفة الهشة التي تملؤها الأخطاء والأمراض النفسية والاجتماعية، فيعيد بناء فلسفة حياة واقعية إيجابية تستقيم بها معيشته، فهنيئا له في الدنيا والآخرة.