قال إن الحل فى العودة إلى القرآن بالعقول والقلوب والخضوع له.. المفكر الإسلامىالدكتور طه جابر العلواني:
انتكاسات الأمة سببها الإعراض عن هدي الله
رجل لا يمل من اغتراف العلم، وفى معظم الأوقات تجده جالسًا وسط مكتبته العامرة، وله فى كل مكان يقطن فيه مكتبة، أسس جامعة قرطبة بأمريكا.. وغيرها من الكيانات التى تخدم الإسلام. ولد بالعراق وطوّف أرجاء المعمورة، لكنه آثر أن يحط رحاله فى مصر ويواصل مسير العطاء.
ما أهم المحطات فى حياة الأستاذ الدكتور طه جابر العلواني؟ وما أثر كل محطة عليه ؟
المحطة الأولى هى المحطة التكوينية التى بدأت فى مدينة الفلوجا والمدرسة العصفية، والمحطة الثانية هى بغداد التى رأيت فيها أفضل أواخر أهل العلم والفضل فى هذا القطر الذى أنجب ثلاثة من أئمة أهل السنة والمحطة الثالثة حين جئت إلى مصر وتعرفت على أسرة الشيخ عبد الغنى عبدالخالق ومصطفى عبدالخالق، وبدأت مشوارى العلمى معهما ومع الشيخ مصطفى مجاهد.. وغيرهم من علماء الأزهر الكبار كالشيخ الغزالى والشيخ السيد سابق.. وغيرهم.
من خلال رئاستك للمركز الفقهى فى أمريكا. ما الأمور الفقهية التى يهتم بها المجتمع الأمريكى خصوصًا، والمجتمع الأوربى عموما؟
المسلمون فى أمريكا، وأوربا أحوج ما يكونون إلى أن تكون لهم الشخصية المستقلة التى أرادها سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين أمر عمرو بن العاص رضى الله عنه فى فتح مصر أمره ببناء الفسطاط لكى يتميز المسلمون ويكوم لهم نموذجا يلفت نظر المصريين إلى ما فى الإسلام من خير وكأنه بنى لهم ما أسماه الفارابى المدينة الفاضلة وقدمها نموذجًا؛ وذلك الذى استقطب المصريين وجعلهم يدخلون فى دين الله أفواجا ولم يسلموا بالسيف لأن جيش عمرو بن العاص كان أربعة آلاف وهو عدد قليل لم يقاتل وفتحت مصر بهذه الطريقة؛ لذلك أدعو المسلمين فى أوربا لعمل نماذج مجتمعية مصغرة يسودها الحب والتآلف لتكون نماذج لغيرهم. ولا أستطيع أن أقول إن التجمع الإسلامى هناك قد أعطى صورة إيجابية عن الإسلام وكنت أتمنى صناعة مجتمعات نموذجية تقوم بالدعوة الصامتة بالقدوة لا عمليات التبشير المعروفة. لذلك فالذين يسلمون حاليا قليل والذين يخرجون من الإسلام يسكت عنهم ولا نعرف أعداد من يدخل ومن يخرج ولا نريد الإفراط فى البشريات لأن واقع المسلمين فى الغرب غير ذلك حتى المسلمون أنفسهم مقصرون ولا يلتزمون بالشكل المطلوب.
- شاركت فى تأسيس المعهد العالمى للفكر الإسلامي، تكلم عن الإسلام فى أمريكا؟ وكيف ترى مستقبله هناك؟
للأسف المسلمون الموجودون فى أمريكا حاليا يمثلون العالم الإسلامى كما هو بمشكلاته وأزماته وبفرقته والسلبيات كثيرة والإيجابيات محدودة وكنا نأمل صناعة نماذج لمجتمعات مصغرة تقودها القيم والهدى النبوى ولكن للأسف لم نتمكن من ذلك؛ لأن من جاء للغرب جاء فردا فردا؛ ولم تكن هناك هجرة منظمة كما كان يفعل الصحابة ولهذا لا توجد منهجية فى الارتباط بينهم.
- من خلال رئاستك لجامعة قرطبة بأمريكا. نريد تعريفًا عامًا لها؟ وما الإنجازات التى تمت فى عهدكم؟
تأسست جامعة قرطبة لكى تتمكن من تخريج عناصر تلبى احتياجات المجتمع المسلم فى أمريكا من الأئمة والدعاة والوعاظ للمساجد والمستشفيات والقوات المسلحة ومؤسسات مختلفة.. والحمد لله قطعت شوطا طيبا وخرجت عددًا كبيرًا من المؤهلين الذين ما يزال لهم دور فاعل ومؤثر فهم يعرفون الوطن الأمريكى ولغته وثقافته، وحينما زودوا بالمعلومة الشرعية والدليل كان لهم تأثير طيب جدا بفضل الله وأكثرهم من الأمريكان ممن يدرس داخل الجامعة، ومنهم من يدرس عن بعد، وهم أعداد كبيرة.
- من مؤلفاتكم (أدب الاختلاف فى الإسلام) كيف تقيم الخلاف فى المجتمع الإسلامى ما بين الدول بعضها وبعض، وداخل الدولة الواحدة؟ وما الحل للتخلص من هذا الخلاف؟
يكفى أن الله سبحانه وتعالى قال { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } (الأنعام:159) ونحن الآن أصبحنا شيعًا، ويذيق بأسنا بأس بعض؛ لأننا تخلينا عن كتاب الله وسنة رسوله وانشغلنا بكل شيء سواهما ولم يتبق لنا من الإسلام إلا قشريات ونحتفل بأمور معينة كأطفال حفظناهم القرآن الكريم، أو أناس أتقنوا القراءات وهذا ليس الذى أمرنا به، والذى كان ينتظره رسول الله منا أن هذا الكتاب الذى تركه لنا وسنته أم نتعلمه ونرتله وتزكية الناس به، ونحن تركناه خلفنا وطوعناه فى أن يتهم بعضنا بعضًا؛ لذلك فرق الله بيننا إلا إذا اجتمعنا على القرآن من جديد، والله قال { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } والتأليف بين القلوب لا يحدث إلا إذا رجعنا إلى الكتاب فلا المصالحات ولا المؤتمرات يرجع الناس بعضهم لبعض، لكنه كتاب الله تعالى، والالتفاف حوله هو الضامن لذلك (إن الحكم إلا لله)
من خلال كتابك (حاكمية القرآن) كيف تقيم القرآن الكريم فى حياة الناس؟ وماذا يلزم الأمة لكى يحكم القرآن؟
أنا أعتبر الأمة الآن فى حالة هجر للقرآن الكريم حتى الذين يقرءونه، والحافظون له بالقراءات جميعها هجروا القرآن الكريم، فالمطلوب عودة إلى القرآن الكريم بالعقول والقلوب والخضوع له لا إخضاعه إلى تفسيراتنا وإرادتنا فنحن اليوم نأخذ القرآن شواهد كما نستشهد بأبيات الشعر، والقرآن ما جاء إلا لينشئ الحكم ويبينه (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم) أى تبين لهم القرآن وتزكيهم به.
- أنشأت أكاديمية العلوانى للدراسات القرآنية ومشروع تفسير القرآن بالقرآن ومشروع تدبر القرآن والمجلس الفقهى لأمريكا الشمالية. ما أهداف من تلك المشاريع؟ وما أهم إنجازاتها؟
- أسسنا هذه الأكاديمية بأمريكا والمشروعات الأخرى كمشروع تفسير القرآن بالقرآن ومشروع تدبر القرآن وهى تعمل لخدمة القرآن الكريم ومساعدة المجتمع الأمريكى لمعرفة القرآن وأهله والعناية به وبتلاوته واتخاذه مرجعًا، ونريد أن نشغل الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أنشأنا المجلس الفقهى لأمريكا الشمالية وبقيت رئيسا له ثمانية عشر عاما، ومازال المجلس يقدم خدماته هناك.. والتى تتمثل فى تثقيف الناس ثقافة إسلامية واعية.
- عينت كمستشار للجنة الوطنية للمياه بالمملكة العربية السعودية. ما علاقة هذا بمجال عملك كأستاذ فى الفقه؟ وماذا أنجزتم فى هذا المجال؟
- كنت أنجزت بحثًا فى موضوع المياه وأحكامه فى الإسلام. فاخترت لهذا العمل بالمملكة وتعلمت أن المنطقة كلها معرضة إلى أخطر المعارك وهى معركة المياه، وهذا واضح فى سد النهضة فى أثيوبيا.. وإسرائيل تحاول جذب مياه بلاد الشام من سوريا ومن لبنان وغيرها والأردن يعانى الجفاف ومصر مهددة بسد النهضة فلقد تعلمت وظيفة المياه والتنازع عليها وكيف تركع الشعوب عند العطش.
- القضية الفلسطينية متجذرة فى التاريخ، وما زالت فلسطين تعانى الاحتلال وما يحدث فى غزة خير شاهد. كيف توصف هذه القضية وكيف ترى مستقبلها؟
- إسرائيل تستغل العرب والمسلمين فى فرقتهم وعملت على تحجيم القضية الفلسطينية، وأخذها بعيدًا عن قضية الإسلام والعرب؛ لكى تصل إلى المرحلة التى تستطيع أن تتحكم فيها وحدها.. والعرب المسلمون كلهم استسلموا منذ فترة طويلة وأخرجوها من الدائرة الإسلامية إلى الدائرة العربية ثم أخرجوها من الدائرة العربية إلى الدائرة الفلسطينية ومن الدائرة الفلسطينية إلى حكومة السلطة . والقضية الفلسطينية قضية مركزية وهى من أهم الوسائل لتحرير الأمة على أن تراجع نفسها، وتعيد بناء وحدتها وتدرك أن ما يحدث الآن فى غزة وسوريا وليبيا وغيرها هى سلسلة سوف تشمل جميع بلداننا وعلى الأمة أن تستفيق.
- هناك الكثير من المواقف الطريفة التى لا تنسى. صف لنا أحدها ؟
كنت سجينا فى عهد عبد الكريم قاسم، ودخلت واحدة من بائعات الهوى إلى السجن لهدف ما، وكنت فى فسحة، أخرجونا للتعرض للشمس، وكنت أرتدى عباءة لفتت نظرها، فقالت لمسئول السجن: لا أظن أن هذا مجرم، فقال لها: هو جريمته سياسية، فقالت: يسهر عندى كبار رجال البلد والحكام، فإن شاء توسطت له لكى يطلقوا سراحه. فجاء الرجل يعرض على عرضها فقلت له: هم توهموا بأننى أنافسهم على كرسى السلطة فأتوا بى إلى السجن، فماذا فلو فهموا بأننى أنافسهم فيها فقد يعدموننى فاشكرها ولا حاجة لوساطتها لي.
-هناك فتاوى غريبة صدرت مؤخرا احتار الناس فى أمرها، فهناك من أفتى بجواز جماع الزوجة وهى حائض.. وهناك من قال على الزوج أن يتصل بزوجته قبل وصوله البيت فإذا كان معها عشيق انصرف قبل وصوله وغيرها. ما تعليقك على تلك الفتاوى؟
- هذه بالونات اختبار وإشغال وهؤلاء ليسوا بعلماء ولا هم فقهاء، لكنهم أغبياء يستدرجهم شياطين الإنس والجن لكى يشغلوا المسلمين بتوافه الأمور عن حقائق الدين، ولا ينبغى أن تستدرج الأمة لهذه الأمور ولا يجب أن نسمح لهؤلاء أن يشغلونا بسفاسف الأمور وقد مر بالأمة عبر تاريخها أشياء مماثلة فلا ننشغل بهؤلاء وعلى العلماء أن يأخذوا حذرهم ولا يشغلوا بالرد عليهم ويجب تركهم.
- لكم أسفار كثيرة وإنجازات عظيمة. نرجو إلقاء الضوء على تلك الأسفار والتعريج على تلك الإنجازات؟
زرت ثلثى العالم بين محاضر وعالم وأستاذ زائر وعرفت العالم جيدا.. واكتسبت خبرات كثيرة جعلتنى أفهم الدنيا وأقطارها كما أفهم الدين وعلومه والحمد لله زرت كل قارات العالم ومعظم دوله من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.
- كيف تم تكريمكم فى دول مختلفة من العالم؟
الحمد كرمت فى عدد من دول العالم وأحتسب مجهوداتى عند الله تعالى، فقد نلت وساما رفيعا فى ماليزيا وجائزة راقية فى فى الأردن وأخرى فى إيران وغيرها من الدول والحمد لله
- ماذا بينك وبين الوطن الأم العراق؟ وما شعورك تجاه ما يحدث هناك؟ وما الرسالة التى توجهها الآن للعراقيين؟
أما عن العراق وطنى فليس لدى سوى البكاء على الأطلال، وأنا حزين جدا لما آلت إليه الأمور هناك، وأما عن رسالتى للعراقيين فأقول لهم: العراقيون لن يستطيعوا أن يعيدوا للعراق أمنه واستقراره وطمأنينته إلا بالتمسك بكتاب الله الذى يقول (والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) والناس حينما ينسون الكتاب يبتلون ببعضهم البعض ولن يستطيعوا أن يستردوا تلك الوحدة إلا بالعودة لكتاب الله واتخاذه المرجع والتمسك به والتشبث بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فهمه وتطبيقه
- من كان قدوتك؟ ومن تراه من الجيل يمشى على دربك؟ ولماذا؟
قدوتى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا أخذنا من أتأثر به معرفيا فشيخى الأول هو الشيخ أمجد الزهاوى رحمه الله فهو شيخى وأستاذى وقد تعلمت منه كيف أتعلم العلم ومن المصريين الشيخ عبد الغنى عبد الخالق و مصطفى عبدالخالق ومشايخ آخرون بالأزهر الشريف.
- أرى من يمشى على دربى تلامذة عديدون ومنهم ابنتى الدكتورة زينب العلوانى والدكتورة رقية العلوانى وكذلك ولدى الدكتور أحمد العلوانى وكلهم متخصصون فى الدراسات الإسلامية وهناك آخرون.
ما حصاد الحياة بالنسبة للدكتور طه جابر العلواني؟
الحصاد أننى استطعت أن أدرك أن قوة هذه الأمة مرتبطة بمقدار تشبثها بهذا الكتاب الكريم وبهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهمه وتطبيقه وكلما ابتعدت عنهما حدثت لها المصائب والمشاكل والانتكاسات وجميع أحداث التاريخ نجد ورائها هذا الإعراض وإننا أمة تم اصطفاؤها، وإذا تخلت الأمة عن رسالتها كانت كيونس الذى عاقبه الله بالتقام الحوت له وقد وردت قصته فى القرآن وذكرت أنه لم يعود إلا بعد عودته إلى الله ورجع إلى بلدته نينوى وأسلم على يديه جميع أهل نينوى مائة ألف أو يزيدون وهكذا الحال بالنسبة للأمة.
فى النهاية ما رسالتك إلى الأمة الإسلامية؟
إلى الأمة أقول لها: أيتها الأمة إن هذا الكتاب الكريم له مقاصد وأهداف وغايات ولعل أبرز مقاصده من التوحيد والتزكية والإعمار وبناء الأمة والدعوة لكتاب الله وسنة رسوله فإذا لم تقومى بهذه الأعمال فأنت فى جانب والقرآن فى جانب آخر وكلما ابتعدت عن القرآن خطوة ابتعدت عن العزة خطوات، وتنازلتى عن الكثير وأنت الآن لا تستطيعين أن تنافسى الغرب فى الكثير لا فى صناعة ولا فى تجارة ولا فى زراعة لكنك تستطيعي أن تقودى العالم بهذا الكتاب بهذا النور الذى تحملين فإن أحسنت حمله وفقك الله وإن أسأت حمله وكنت كمثل الحمار يحمل أسفارا فأنت تعلمين مصير أولئك الذين حملوا ما أنزل إليهم حمل الحمار وكانوا بعد ذلك قردة وخنازير وعبدة الطاغوت فلا تتنازلى عن كتابك وشرعك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
ولد عام 1935م بالفالوجا بمحافظة الأنبار بالعراق لأبوين عربيين سنيين.
دخل المدرسة العصفية الدينية وبها تعلم مبادئ العلوم الشرعية والتي تخصص فيها حتى هذه اللحظة.
جاء إلى الأزهر عام 1953م لطلب العلم، وحصل على الدكتوراه في الفقه عام 1972م
رئيس جامعة قرطبة سابقا.. أسس جامعة قرطبة فى أمريكا لتخرّج دعاة أغلبهم أمريكان ليفقهوا الناس
أنشأ أكاديمية العلواني للدراسات القرآنية بأمريكا والمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية لنشر القرآن و صحيح السنة هناك
الفتاوى الشاذة هدفها إشغال المسلمين عن دينهم يقف وراءها شياطين الإنس
طه جابر العلوانى: انتكاسات الأمة سببها الإعراض عن هدي الله
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة