الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
الصورة الذهنية الموجودة عند المتطرفين لا بد أن ينزل العلماء إلى مستويات البسطاء.
أود أن أقف معك عند أهم ما يشغلك هذه الأيام وأهم القضايا المطروحة على قناتكم؟
هناك مجموعة قضايا مهمة على المستوى الشخصى والمستوى الأممى تداعب أفكارى، وأعيش بها صباح مساء، ولأن التأثير عن طريق القناة له آلياته الطيبة، فالقناة تساعدنا كثيرًا فى توصيل الرسالة إلى الناس عبر ساعات طويلة نقضيها قد تستغرق اليوم بأكمله، فى المعسكرات القرآنية، والروضات الإيمانية، واللقاءات الفكرية، والفضفضة مع الجماهير فنعرف همومهم، وما يلج فى صدورهم من مشاكل، ونحاول أن نتبسط معهم، وأن ندرك ما فى نفوسهم، فالداعية الاجتماعى هو الذى ينزل إلى مستويات الناس ويعرف همومهم، ويحس بمشاكلهم، فالقضية الأساسية التى أدّخر نفسى لها هى تخفيف معاناة الناس، وهى أصعب رسالة يؤديها الإنسان.
فعلى مستوى التأليف فإنى ولله الحمد قد ألّفت مئات الكتب، بعضها مترجم إلى اللغات الحية الأخرى، وفى الفترة الأخيرة أركز فى التأليف على الموسوعات، وليس على الكتب، لأنها أكثر بقاءً.
لن أتكلم على المستوى العلمى والتأليفى والفكرى، وإنما أتكلم معك اليوم عن ما يشغل الناس من مشكلات مثل: مشكلات الفقر، والجوع، والمرض، وقلة الدخل، وعدم القدرة على حلِّ مشاكل الناس، مشكلات تأخر الزواج، مشكلات كثرة حالات الطلاق التى لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الأمة، كل هذه مشاكل تحتاج فى علاجها لوعى، ولخبرة، ولدراية، فالداعية كالجراح الماهر الذى يتدخل لمعالجة المريض باحترافية عالية فى الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة، فيخرج المريض من هذه العملية بترياق العافية. وليس عندنا فى بلادنا فرق إنقاذ عند الأزمات، مثل الصورة التى رسمها الفرزدق بقوله:
حمال أثقال أقوام إذا افتدحوا. حلو الشمائل تحلو عنده نعم.
ليس عندنا هذه النوعية، ليس عندنا حمال الأثقال، ليس عندنا من يتلمس ويتحسس مشاكل الناس، وينزل لمستوى الحدث، لغة الإعلام فيها استعلاء على الناس، هى لغة الأكابر، هى لغة من لا يهتم بغيره من الناس.
-احتواؤك للناس، وتذكرك لهم وذلك مع كثرة أعدادهم، واختلاف بلادهم، كيف لك بهذا؟
النبى صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى تبوك وكان معه ثلاثون ألفًا من المسلمين، فجلس النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن وصل إلى تبوك وظل يتفرُّس وجوه الناس، وبعد أن انتهى قال: أين كعب؟ الصحابة تعجبوا، كيف أن النبى صلى الله عليه وسلم ظل متذكرًا الثلاثين ألفًا وشاهد وجوههم جميعًا وعلم أن كعبًا ليس موجودًا معهم، فهذه الذاكرة التى أشرت أنت إليها هى من تعليمه صلى الله عليه وسلم لنا، فهذه الذاكرة يعطيها الله عز وجل كإمدادات لمن يحبهم، لأنهم يحملون همًّا كبيرًا، والله يراهم يخففون عن الضعفاء، فلا بد أن تكون كمية العافية، وكمية المميزات فيها زيادة عن باقى البشر، ليس لأنهم فى اصطفاء أو تفضيل من الله، ولكنهم فى حاجة إلى معين لا ينضب، لكى يستطيعوا أن يرسموا البسمة والسعادة على وجوه من رفض المجتمع الوقوف بجوارهم.
حياتى الدعوية كلها تقوم حول ثلاثة محاور:
-الشباب الذين انزلقوا فى طريق التشدد والتكفير باسم الدين، فيقتلون المسلمين باسم الدين، ويفهمون الدين فهمًا مغلوطًا.
-الشباب الذين وقعوا فى مستنقع التفريط فى الدين وثوابته، وساروا فى طرق الرذيلة، واتبعوا شهواتهم، وانحرفوا وراء الضالين المضلين.
هذا جهاد فى ناحيتين عظيمتين، نحاول أن نجمع بين الاثنين فى نقطة التقاء وسطية وهذا هو الدين الوسطى.
-ثم ظهر لى طائفة ثالثة تسمى ((الملحدون)) الذين لا يعترفون بإله ولا نبى ولا دين، وهؤلاء أنافحهم كل ليلة فى برنامج: كيف بدأ الخلق؟
ألا يجب علينا احتواء العصاة، بمد يد العون لهم وعدم لفظهم من المجتمع؟
هذا واجب: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} والوجوبية هنا تقوم على المحاور جميعها، جذب الناس للدين الوسطى السهل الجميل، وإرشاد العاصين إلى طريق الله ، ودعوة الملحدين بالحكمة والموعظة الحسنة.
الصورة الذهنية الموجودة عند المتطرفين تحتاج إلى فرق إنقاذ من أجل تغييرها، نحتاج أن نوارى سوءات المجتمع، من الموروث السيئ لبعض الجماعات التكفيرية.
- المسيرة الدعوية فى العالم الإسلامى تحتاج إلى تصحيح، وحال الدعوة فى البلاد الإسلامية حال مخز للأسف، نحتاج إلى توضيح من فضيلتكم.
فى إحدى القنوات الدينية الفضائية، تكلموا عن مذهب من المذاهب المعروفة فى بعض البلاد الإسلامية، وكفروا أصحاب هذا المذهب، فقامت حرب طائفية عظيمة فى إحدى مدن الجزائر التى تحفل بعدد كبير من معتنقى هذا المذهب، أهذا هو الإعلام الوسطى؟ أهذا هو الإعلام، الذى يقيم ثورات داخلية بين أبناء الشعب الواحد؟
لا يجوز لمسلم أن يكفر من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، هل هذه القاعدة صحيحة؟
هذا من ثوابت الدين، « أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟»، يقول الله عز وجل{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم فى شيئ} هذه مسائل ثابتة فى الإسلام، ولأن الأمة عانت كثيرًا، فإنى أخشى على الأجيال القادمة.
كيف ترى مستقبل الأجيال القادمة في ظل الوضع الراهن للمجتمع الإسلامي.
لا بد وأن ينزل العلماء إلى مستويات البسطاء، فأنا أحمل همًّا كبيرًا داخل صدرى، فالهم الظاهر الذى تراه العيون بسيط، والهمّ الباطن لا يستطيع أحد أن يتصوره، ولسان حالى قول الصديق رضى الله عنه «والله ما نمت فحلمت، ولا توهمت فسهوت»
- ما هو السبب الذى أوصلنا لهذا البعد عن الدين؟
قال الله تعال: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم فى شيئ} بمعنى أن المجتمع أصبح عبارة عن متاهات، وحزبيات، وشتات، وجماعات، فالذين تمذهبوا هم الذين ضيعوا الأمة، عندنا أناس يستطيعون أن يُعيدوا الأمة إلى الصواب، فالسفينة عندما يكون لها رُبّان قوى يستطيع أن يسيرها فى طريقها الصحيح، ولكنه فى نفس الوقت سيرى حوله هدامين كثيرين، فالذى يحاول أن يرتقى بالناس إلى المنهج الصحيح، يضربون طائرته قبل أن تقلع من مطار وطنه، فهذا هو هدم النفسية، فليس هناك أحد يريد لأحد أن ينجح، فهذه آفة خطيرة جدًّا، يدفنون الطيبات كى لا يُذكر غيرهم بخير، هذا ليس فى مصر فقط، فالذين يسافرون إلى أوروبا من أجل الدعوة اغلبهم ليسوا صورة طيبة للدين الإسلامى.
هل هذا لا مبالاة من الأمة أم صناعة صنعت فينا ذلك؟
الإجابة على هذا السؤال هو عدم الرغبة فى تعديل السلوك، فالموروث جعلنا راضين عن هذا الواقع، البلاد العربية اُحتلت من بلاد الكفر، ونمطية الاستسلام للحضارات البراقة فعلت بنا هذا، ولكن لن يستطيع أحد أن يغير المنهج الإسلامى، ولن يستطيع أحد أن يعالج مشاكل هذه الأمة إلا أبناؤها المخلصون.
بالإضافة إلى العمل الإعلامى، فإن عندك أكاديمية، وعندك جريدة، وأنت عضو فى كثير من المحافل العلمية، وانشأت قرية نموذجية، وعندك مؤسسات خيرية كبيرة، ولك مؤلفات كثيرة، وانشغلت باحتواء الناس واستطعت أن تقيم معادلة مستحيلة،كيف أنجزت كل تلك الأعمال فى هذا العمر القصير؟
صناعة العلماء الربانيين لا تأتى عفوًا، ولا محض صدفة، أنا تربيت منذ الصغر على أن أكون فى المقدمة، كنت دائمًا أتطلع إلى أن أكون متواجدًا فى كل مكان يجب أن أكون فيه، ولذلك حصدت جوائز كثيرة جدًّا ولله الحمد، ولذلك تحول عندى المجد العلمى الشخصى إلى مجد اجتماعى، وأيضًا المعيشة المتواضعة البسيطة فى السابق علمتنا المثابرة، وعودتنا على حب التعب والمشقة والعمل المتواصل بدون ملل أو سأم.
- ما البواعث التى تجعل الإنسان ينفع الناس؟
أن عمر الإنسان فى هذه الحياة قصير، فلا بد أن أُشعر الناس بوجودى معهم على جميع المستويات لأن عمر الإنسان قصير، وسريع إلى الزوال، لذلك يجب على الإنسان أن يحاول أن يستغل هذه الأيام القصيرة فى إنجاز كل ما يستطيع من أعمال، لأنك الآن فى وقت الشباب والقوة، فإن لم تعمل الآن فمتى ستعمل؟
- ما الطموحات التى تستشرقها بعقلك؟
أن أغمض عينى وأفتحهما فلا أرى فى مصر عاطلًا عن العمل، أو فى بلاد المسلمين، ولا أرى فقيرًا فى بلدى، ولا أرى حاقدًا فى بلدى، وأرى سفينة الإسلام تجوب العالم كله، وأرى راية الإسلام تظل كل المسلمين مجتعين على - ما هو المشروع الذى تحلم به؟
إنشاء بنكًا للفقراء، حتى لا يكون عندى فى بلدى فقير واحد، لأنى أعلم ما يفعله الفقر بالناس، وأنا لا أقصد بكلمة بنك البنك المالى، ولكن أقصد بذلك البنك العطائى على جميع المستويات، الاجتماعى، والمادى، والدينى، أتمنى أن يكون عندى مكان كبير يستوعب معاناة الناس.
أخيرًا من طموحاتى الأساسية أن يكون فى صدر كل طفل فى بلادنا مصحف يحميه من التطرف والانحراف، أشياء كثيرة كانت فى صدرى لم أستطع أن أقولها.
الصورة الذهنية الموجودة عند المتطرفين
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة