والله إنها لحكمة جميلة، الإيمان أيها السادة الكرام له موجباته، ومن موجبات هذا الإيمان معرفة نظام الله تعالى فى الكون، الله تعالى الملك جعل لليل أعمالًا، وجعل للنهار أعمالًا، وجعل لليقظة أعمالًا، وجعل للنوم أذكارًا، وجعل للصباح أذكارًا، وجعل للمساء وأذكارًا.
وجعل تكليفات مهمة فى كل ساعة من ساعات اليوم، فعلى مدى أربع وعشرين ساعة أنت مطلوب، ومطالب بأعمال معينة، ليس هناك فراغ فى حياة المسلم، لا تقُلْ لى قتلنى الفراغ.
الوحدة خلوة مع الله سبحانه وتعالى، وأُنس بالله تعالى.
فالذين كُتب عليهم أن يعيشوا وحدهم بعد وفاة أزواجهم أو بعد سفر أولادهم، فهذه مرحلة حميله جدًّا من مراحل تفوق النفس.
ومراحل تفوق النفس هى: مرحلة تعليم النفس، ومرحلة تهذيب النفس، ومرحلة الارتقاء بالنفس.
إذًا فالناس الذين قُدّر عليهم أن يعيشوا وحدهم لا ينبغى أن يكون عندهم فراغ، الإنسان إذا وزَّع الواجبات على الأوقات فإنَّ الأوقات لن تكفى الواجبات، ولكن الذى يحدث أنه بسبب كثرة الأعمال الإيمانية قد يصاب الإنسان بالسآمة والملل، فيؤجل الأعمال إلى أوقات أخرى، يأتى موعد صلاة الضحى فتحدثه نفسه أن يؤجلها نصف ساعة مثلًا، فتمُرّ النصف ساعة، فتزداد العزيمة ضعفًا حتى يضيع وقت هذه العبادة تمامًا. لماذا؟ ذلك كله بسبب كثرة الأعمال التى يكلف بها.
لابد أن تعيش مرحلة إلزامية، تُلزم نفسك كل يوم بأوراد وأذكار، وورد قرآنىّ يوميًّا، المرحلة الإلزامية: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} الذى يجلس ويستسلم للفراغ دون أن يستثمره في عبادات أو أشياء نافعة، فإن هذا كله يدل على ضعف إيمانه، إيمانه ضعيف، يقينه فى الله تعالى ضعيف، إذا مات على هذه الحالة- حالة الفراغ - لمات مفتونًا، ولأجل هذا فإن الطاعات لابد أن تتخللها طاعات، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، يُعلّم أصحابه، وفى الوقت نفسه يذكر الله عزّ وجل، إذًا هذه طاعة داخل طاعة.
فقد ورد عن الصحابة رضى الله عنهم أنهم كانوا يعدّون للنبى صلى الله عليه وسلم مرات الاستغفار، فكانوا يعدون له مائة مرة في المجلس الواحد.
فى هذه الحكمة يقول الشيخ: إحالتك الأعمال مع وجود الفراغ، ربما كان عندى أعمال كثيرة فأضطر أن أؤجلها لأن هناك ما هو أهم منها في هذا الوقت، فلا حرج فى هذا، فمثلًا أنا عندى فرائض، وعندى نوافل، أُقدم الفرائض على النوافل فهذا هو المطلوب، هذا ما يسميه العلماء بفقه الأولويات، لكن المهم أن لا تتكاسل عن الطاعات، ولا تستسلم للفراغ، ولا تؤجل الأعمال، فإنك لا تدرى متى ستموت؟
الإنسان سيحاسَبُ يومَ القيامة عن الوقت، قال النبى صلى الله عليه وسلم: "لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة ، حتى يُسألَ عن أربع: عن عُمُره فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟"
لو أنك لا تعرف قيمة العمر فإن باطن الأرض خير لك من ظاهرها.
إحالتك الأعمال يعنى تأجيل الأعمال مع وجود الفراغ بمعنى أنك ليس عندك شىء يشغلك، ورغم هذا تؤجل، فهذا دليل على أنك لا تعرف سنة الله تعالى فى الخلق، وأن الذى أجلت قد يكون أهم عندك مما فعلت.
سيُسأل الإنسان يوم القيامة عن عمره فيما أفناه، كما ذكرت لك من قول النبى صلى الله عليه وسلم.
تريد أن تقرأ القرآن فتجد الكسل في نفسك، فتحدثك نفسك أن تؤجل هذا العمل إلى أى وقت آخر، فتمرُّ الأيام بل الشهور وأنت لم تفتح المصحف الشريف، ولم تقرأ آية من كتاب الله عز وجل.
هكذا تضيع أعمال الإنسان مع التسويف، سأفعل، سأفعل، سأفعل، ولا يفعل شيئًا، وليس خافيًا عليكم أن الموت يأتى بغتة.
في القصة التى ذكرها بن رجب الحنبلى أن شابًّا ظل يحجُّ عشر سنوات ماشيًا على قدميه، هذا منتهى الإرهاق والتعب، وذات ليلة عاد من الحجّ، وكانت أمه مريضة، فقالت له يا ولدى اسقنى، فقال لها أنا متعب يا أمى انتظرى حتى أستريح، فاستراح فأخذه نوم عميق، نام نومًا طويلًا، فلما استيقظ من النوم فإذا بأمه قد ماتت.
هذه مشكلة خطيره جدًّا، لأنه ضيّع فريضة من أجلّ الفرائض، وهى البر بالأم، ضيع أمرًا أساسيًّا، ما كان ينبغى أن يغفل عنها ولو للحظة، ماتت الأم وهو لا يدرى أماتت وهى عنه راضية، أم أنها ماتت غاضبة عليه والعياذ بالله، كذلك يفعل تأجيل الأعمال بالناس.
القرآن ينظم حياتنا، يقول الله تعالى:
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} يعنى كل وقت له تسبيحاته، وله صلواته، وله عباداته، {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }، إذًا الصباح له عمل، والظهر له عمل، والعصر له عمل، الله أكبر.
الإنسان قد يشغل نفسه بالتلفاز، أو بالإذاعة مثلًا، أو بكرة القدم، وهذه الأشياء معظمها يعدّ فراغًا إلا إذا كانت طاعة لله.
فأنت تستطيع أن تمنع نفسك من مشاهدة الأفلام، ومن مشاهدة المباريات، وتستثمر هذا الوقت في طاعة الله عز وجل، لأن الاستماع إلى هذه القنوات، وهذه الأفلام يعد تضييعًا للأوقات دون فائدة، ويحمِّل الإنسان أوزارًا لا طاقة له على تحملها، كما أنك لن يضرك شيء إذا أبعدت نفسك عن هذه الأشياء التى لا قيمة لها.
بعض الناس يتحايل على الله عز وجل بحجة الانشغال بالعمل وكذا، مع أنه يستطيع أن يفرغ نفسه، كما فعل المخلفون من الأعراب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } يعنى شغلتنا أموالنا و أهلنا، الله أكبر، هذا أيضًا فراغ، فراغ فى القلب، فراغ فى الروح، فراغ فى الواجبات الشرعية، فاستغفر لنا، ولأجل هذا إحالتك الأعمال - يعنى تأجيلك الأعمال - مع وجود الفراغ من علامات ضعف الإيمان.
جارك مريض فى المستشفى اترك ما فى يدك واذهب كى تزوره، ولكنك تتحجّج بأنك مشغول، وأنت لست مشغولًا، أقنعت نفسك أنك مشغول، وبعد يومين توفى جارك وأنت لم تزره، أو توفى قريب لك عزيز عليك، وأنت لم تزره، ستبقى نادمًا، ولكن الندم لا يفيد فيما مضى وانتهى أمره، كيف لك أن تعزى فيه؟ وأنت الذى لم تسمح لنفسك بربع ساعة لكى تزور أخًا لك فى الله.
ليس هناك فراغ فى حياة المسلم، سيدنا عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه كان قد تسلم الخلافة فى الصباح، وظل يعمل حتى أدركه العصر، وقبل صلاة العصر جلس بجوار عامود فى المسجد، وبسبب الإرهاق والتعب نام وهو جالس بعض الوقت حتى استعد الناس للصلاة، فقال له ولده استرح يا أبى، لما كل هذا الإرهاق؟ الذى لا ينتهى اليوم ينتهى غدًا يا أبى، فقال له يا بنى ما أدراك أنى سأعيش لغد؟
علمتنى السنة، أن كل عمل له جهده، ولكل عمل قوته، لو أن الإنسان تراخى فى العمل لن يُتم هذا العمل.
الشيطان يحاول أن يعطيك الشعور بأنك مشغول، وأنك مرهق ومُتعب، ولن تستطيع أن تكمل، ولكن: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} الله أكبر.
قلت لأبناءنا فى معسكر القرآن ذات مرة سنختم القرآن كله فى يومين فنظر بعضهم إلى بعض، أى أنهم غير موافقين، وغير راضين، أنقرأ ثلاثين جزءًا فى يومين؟ قلت لهم نعم، بل وفى يوم ونصف، ليس عندنا فراغ، نغلق الهواتف، نركِّز مع الله، وبالفعل في المعسكر الذى بعده ختمنا القرآن فى يوم واحد، إذًا الإنسان لابد أن يقاوم عند نفسه الإحساس بالفراغ.
أنت ليس عندك أى فراغ، أنت مطلوب في كل وقت، ومطلوب منك الكثير والكثير، ولأجل هذا كان النبى صلى الله عليه وسلم، يعلّم أصحابه كيف يملئون أوقاتهم بطاعة الله سبحانه وتعالى، لا يمرّ عليك وقت إلا وقد نظّمت لنفسك ماذا ينبغى أن تفعل.
كان عمر رضى الله تعالى عنه يصلى، وأثناء الصلاة يفكر فى تجهيز الجيوش للقتال فى سبيل الله، فهذه هى الطاعة التى داخلها طاعة.
من علامات مرضاة الله عليك، أن تكون مشغولًا بما يحبُّ الله عز و جل. في هذه الحالة أنت تعيش لحظات الإيمان الحقيقى بكل تركيز، الله عز وجل يقول لعبده ونبيه يحيى عليه السلام: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } بقوة وليس بضعف، إذًا الإيمان يحتاج إلى قوة، يحتاج إلى إصرار، يحتاج إلى يقين.
يقول النبى صلى الله عليه وسلم: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ" يعنى مغفول عنهما: الصحة والفراغ، الفراغ يعنى الوقت، لا أحد يقدِّر أو يعرف قيمة الوقت إلا عندما يضيع منه الوقت، ولكن هيهات أن يفيد الندم بشيء، حينها يقول: { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، لأجل هذا سلمك الله تعالى، فالإنسان لابد أن يسمع وأن يعقل كى لا يكون من أصحاب السعير، الإنسان لابد وأن يكون متفاعلًا مع الوقت تفاعلًا إيجابيًّا، لا يضيعه سدى، ولا يتركه يمرُّ دون أن يغتنمه في طاعة، حتى لا يندم عليه يوم لا ينفع الندم.
إحالتك الأعمال مع وجود الفراغ دليل على ضعف الإيمان، لأن الإيمان هو الذى ينظِّم حياة الناس، ولأجل هذا قال الله تعالى لنا: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} كيف تنسى وأنت مطلوب في كل لحظة؟ ملك الموت كل يوم يدور على جميع البيوت، ويذكِّر الناس أنه سيأتى يوم، ويأخذ شخصًا من هذا البيت، يذكر الناس: الوقت ليس لكم، من الذى يسمع ويتّعظ؟ من الذى سيعيش هذه المعانى؟ من الذى علم أن لكل وقت مسئوليات، ولكل وقت واجبات؟ ليس عندك فى حياتك أعذار، كسِّر جميع الأعذار، فالذين تخلّفوا عن النبىّ صلوات ربى وسلامه عليه، تحجَّجوا بأعذار واهيه، منهم من قال: إن بيوتنا عورة، ومنهم من قال: لا تنفروا فى الحرّ، وكذا وكذا، ولكن هذه الأعذار لن يتقبلها الملك سبحانه وتعالى، لأنها ليست أعذارًا، وإنما هو الكسل والخمول والدعة، وحُبُّ الراحة وهذا من علامات ضعف الإيمان.
لا تؤجّل ولا تسوِّف، {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} الإنسان لا يعرف متى سيموت، ولا يدرى ما سيحل به غدًا، لذلك لا ينبغى أن يقول سأفعل هذا العمل غدًا، أوبعد ساعة فإن لكل وقت أعماله التى لا تحتمل التأجيل.
إحالتك الأعمال مع وجود الفراغ دليل على ضعف الإيمان، الذى يركب المواصلات لمدة ساعتين لكى يذهب إلى مكان العمل، عليه أن يملأ هذا الوقت بالأعمال كالذكر، وقراءة القرآن، فإن ذلك كله سيكتب في ميزان الحسنات، وسيحسب عند الله من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات.
رأيت شابًّا فى إحدى الحافلات المزدحمة داخل القاهرة، والجوّ شديد الحرارة، وأصوات الناس صاخبة، فضلًا عن أن إحدى رجليه مبتورة ويقف على رجل واحدة، ومع كل هذا يمسك في يديه مصحفًا ويقرأ ورده اليومى، الله أكبر هذا هو الإيمان، هذه هو التقوى.
ليس عندنا في ديننا ما يسمى بالفراغ، ظل هذا الشابُّ واقفًا ساعة أو أكثر يقرأ القرآن، انظر كم سترفعه هذه الساعة عند الله سبحانه وتعالى؟
أخى الكريم، إحالتك الأعمال مع وجود الفراغ دليل على ضعف الإيمان، اعمل الأعمال في أوقاتها كى تكون عند الله من الراضين المرضيين.
حكمة اليوم حكمة مؤثرة، ومهمة في حياة كل مسلم.
{رَبّ اِجْعَلْنِي مُقِيم الصَّلَاة وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ }
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}
يؤتى الحكمة من يشاء