الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل العبادات وأجل القربات، فقد أمر الله تعالى بها عباده المؤمنين، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب / 56 .
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم عليها وبين مضاعفة أجرها، وأنها سبب لمغفرة الذنوب، وقضاء الحاجات، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ) رواه النسائي (1297)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن النسائي".
وروى الترمذي (2457) عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ)، قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) وحسنه الألباني في "سنن الترمذي".
ثانيًا:
ما جاء - في السؤال - من أن النبي عليه الصلاة والسلام كامل معصوم، فلماذا يحتاج منا أن نصلي عليه تلك الصلوات والتسليمات الكثيرة لتدخله الجنة، بينما نحن أحوج لذلك منه لأننا غير كاملين؟! هذا الاعتراض في غير محله؛ وذلك لعدة أمور:
الأول:
أن الصلاة والسلام على النبي "صلى الله عليه وسلم" امتثال لأمر الله بها، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فهي عبادة والواجب على المسلم الامتثال لأمر الله، وألا يعترض على أمره.
الثاني:
فضل الصلاة على النبي "صلى الله عليه وسلم" ليست عائدة على النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل هي راجعة أيضًا على المصلي نفسه، فالفضل الوارد في الأحاديث السابقة وغيرها من الأحاديث إنما هي لمن صلى على النبي "عليه أفضل الصلاة والسلام".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – عند شرحه للحديث - : "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرة) يعني: إذا قلت: اللهم صل على محمد، صلى الله عليك بها عشر مرات، فأثنى الله عليك في الملأ الأعلى عشر مرات" . انتهى من " شرح رياض الصالحين" .
الثالث:
حق النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الحقوق بعد حق الله، فقد أنقذ الله به خلقاً من الظلمات إلى النور، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) الحديد / 9، وقال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) إبراهيم / 1.
فإذا كان الإنسان قد يكثر من ذكر اسم الطبيب الذي قد جعل الله على يديه شفاءه وغاية ما في الأمر صلاح البدن، فكيف بمن جعل الله على يديه صلاح الروح والبدن معًا.
فكان من حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن يكثروا من الصلاة عليه ردًا لذلك الجميل وجزاء لبعض حقوقه عليه الصلاة والسلام.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن الله سبحانه أمر بالصلاة عليه عقب إخباره بأنه وملائكته يصلون عليه، والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله، فصلوا أنتم عليه فأنتم أحق بأن تصلوا عليه وتسلموا تسليما لما نالكم ببركة رسالته" انتهى من "جلاء الأفهام" .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)؛ اقتداء باللّه وملائكته، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلا لإيمانكم، وتعظيمًا له صلى اللّه عليه وسلم، ومحبة وإكرامًا، وزيادة في حسناتكم، وتكفيرًا من سيئاتكم" .
انتهى من "تفسير السعدي" ( 1 / 671 ).
فصلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين، ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات الله وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار.
فلا نحرم أنفسنا من ذلك الفضل، أعاننا الله وإياكم على اغتنام الطاعات ووقانا شرور أنفسنا إنه جواد كريم.