فتاة تخجل من أمها الجاهلة

أسرة وطفل
طبوغرافي

تقول الفتاة: فى يوم من الأيام عدت من مدرستى حزينة وفى يدى ورقة دعوة لمجلس الأمهات بالمدرسة، مزقتها وأنا فى طريقى إلى منزلى، فلا داعى أن أريها لأمى، فهى أصلا لا تقرأ، ولا داعى أن أجعلها تحضر المجلس فأنا أخجل من أن أعرّفها على صديقاتى ومعلماتى فى المدرسة وهى مجرد ربة منزل جاهلة غير مثقفة.

فمنذ دخولى هذة المدرسة وأنا أحاول بكل الطرق الممكنة أن أمنع صديقاتى من لقاء أمى، ولكن اليوم أصبح التحدى أصعب بالنسبة لى، فقد فزت بمركز الطالبة المثالية على مستوى المدرسة، تمنيت بالفعل من داخلى أن تحضر أمى وتشاركنى تكريمى وفرحتى، ولكن ليست أمى هذه، تمنيت أما أخرى، أما جميلة ومثقفة ومتعلمة، أفتخر بها أمام صديقاتى ومعلماتى.

woman
دخلت البيت والأفكار مازالت عالقة بذهنى، وكنت شاردة فسألتنى أمى بعطف ما بك يا بنيتى هل أزعجك شيء اليوم فى المدرسة؟ شعرت برغبة شديدة فى البكاء، كدت أصرخ فى وجهها وأقول لها: أنت مشكلتى الكبيرة فى هذة الحياة، ولكنى فضلت الصمت وأجبتها لا شيء يا أمى، فقط أنا متعبة قليلا من الدراسة، فقالت لى أمى حسنا ارتاحى فى غرفتك وأنا سأحضر لك الغذاء، شكرتها ورفضت الطعام، توجهت فورا إلى غرفتى غيرت ملابسى وتوضأت وأديت صلاتى وجلست على سريرى أفكر.. نظرت حولى وجدت غرفتى نظيفة ومعطرة بأجمل عطر، إنه العطر الذى تعلم أمى أنى أحبه، مسكينة أمى أنها تتعب كثيرا من أجلى، فعلى الرغم من كبر سنها وتعبها إلا أنها تنظف غرفتى كل يوم وتحضر لى الطعام وتغسل ملابسى دون تعب أو ملل أو حتى شكوى، شعرت بصراع داخلى، صوت بداخلى يقول أمك حبيبتك تتعب من أجلك تفعل كل ما هو خير لك، وصوت آخر يقول أنا أخجل منها فهى جاهلة وغير مثقفة ولا يمكننى أن أجعل معلماتى تقابلها، فهى مثيرة للسخرية.
وفى صباح اليوم التالى ذهبت إلى المدرسة وقد قررت بداخلى أن لا أخبر أمى عن الحفل، قابلت صديقتى نورة وكان يبدو عليها الحزن، سألتها عن ما يحزنها فأخذت تحكى لى وجعها وما يحزنها، تقول أن أمها قاسية جداً لا تراها ولا تكلمها إلا نادراً فهى كثيرة المشاغل ودائما ما تفضل أشغالها ومكانتها الاجتماعية على ابنتها، تعجبت من كلام صديقتى وسألتها كيف لا ترينها، فأجابتنى أنها تعمل وتقضى كل اليوم فى حضور المناسبات الاجتماعية الهامة أو الذهاب للنادى، ودائما ما تكون متعبة ومتوترة لا تستمع إلي ولا تسألنى عن حالى.

وأخذت نورة تبكى وهى تكمل حكايتها قائلة أنها بالأمس تشاجرت مع أمها فقالت لها أمها أنها لا تحبها وتكرهها وتتمنى ألا تراها أمامها مرة آخرى.

468b2a18a12784559e139540b902dc05
أصابتنى صدمة شديدة وانا استمع إلى حكاية نورة، توقفت عن الاستماع إلى صوت نورة رغما عنى، وأخذ يجول بداخلى خيال أمى وكل معاناتها وتحملها من أجلى، حنانها وشوقها إلي كل يوم وأنا عائدة من المدرسة تسألنى عن حالى وشكوتى وتستمع إلي، لا تريد إلا أن أكون دائما بخير وسعادة، أخذت أقارنها بوالدة نورة المثقفة الأنيقة، هذة المرة بالتأكيد رجحت كفة أمى الأم الحنونة العطوفة التى منحتى كل شيء وأغلى شيء لا يُشترى وهو الحب.

7d993a4e-b7a9-4f95-9d9d-2adfaeba252d
وفى يوم مجلس الأمهات مسكت يد أمى بقوة فى ساحة المدرسة وأخذت أعرفها على صديقاتى ومعلماتى وكلى فخر واعتزاز أنها أمى الغالية، هى امراة بسيطة وغير متمدنة ولكنها فى نظرى أعظم وأشرف أم فى الوجود .. يكفى أنها أمى وكفى.