العلماء: الحسد مرض نفسي يأكل قلوب الحاسدين

روائع الفتح
طبوغرافي

من المعتاد في حياتنا اليومية أن نصادف أو نتعامل مع المئات والعشرات ممن يخافون الحسد أو هم مرضى به، وكثيرون منا وقعوا ضحية عين حاسدة، وربما أوقعوا غيرهم ضحية للحسد والكراهية. ولما كان الحسد حب توضيحات عدد من علماء الدين، من أخطر أمراض النفس والمجتمع، ويأكل قلوب الحاسدين، ويقطع الأرحام، ويدمر العلاقات الإنسانية، فقد جاء الإسلام الحنيف بسبل وأساليب عديدة تقي المسلم شر الحسد والحاسد، كما وضع رؤية متكاملة لحماية المجتمع الإسلامي من هذا المرض الخطير.

نرصد أسباب انتشار الحسد بين كثير من الناس، وخطورة هذا المرض الخبيث على الإنسان فقد يدفعه إلى الكفر، وانهماك الناس في التنافس على الدنيا، ومدى تأثير العين في الإنسان.
يقول د. سعيد عامر الأمين المساعد بمجمع البحوث الإسلامية إن الحسد من أخطر الأمراض الاجتماعية التي اهتم الإسلام بعلاجها بهدف حماية المجتمع مما يترتب عليه من آثار خطيرة مثل الحقد والكراهية، وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى معنى الحسد وآثاره الخطيرة في أكثر من حديث شريف منها قوله صلى الله عليه وسلم “الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”.
ويعرف د. سعيد عامر معنى الحسد بقوله: الحسد هو تمني زوال النعمة عن الآخرين، وهذا شعور محرم شرعاً، ولكن لو تمنى الإنسان أن يكون عنده ما عند غيره من نعمة من دون تمنى زوالها، فهذا جائز ويسمى في الإسلام “الغبطة”، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله علماً فهو يعمل به ويعلمه الناس”،
ويرصد صوراً من وقائع الحسد التي ذكرها القرآن الكريم، منها معصية آدم ومخالفته أمر الله تعالى عندما أكل من الشجرة، وقد جاءت هذه المعصية كثمرة لحسد إبليس لآدم عليه السلام، وأيضاً حسد قابيل لأخيه هابيل حتى قتله، فضلاً عن حسد أخوة يوسف حتى قالوا: “اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا”.
ويقول أ.د سيف رجب قزامل العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بطنطا: أسوأ أنواع الحسد المحرم هو الذي يصيب النفوس، فيولد فيها الحقد والكراهية والبغضاء، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لنعم الله أعداء. قيل: ومن هم يا رسول؟. قال: الذين يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله”، وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم بين الحسد وكثير من أمراض النفوس عندما قال: “ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا”. كما قال صلى الله عليه وسلم أيضاً: “المنافق يحسد”، وقال معاوية: “كل أحد أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها”.
ويحدد قزامل مجموعة من الأساليب الشرعية للوقاية من الحسد ويقول: من أهم هذه الأساليب بعد المؤمن عن أسباب حسده للآخرين أو حسد الآخرين له، فالمؤمن يحب الخير لنفسه كما يحبه للآخرين، وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم: “أحب لأخيك ما تحبه لنفسك”، كما أن المؤمن ليس شحيحاً أو بخيلاً حتى يثير حسد الآخرين له، وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم: “إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلوا محارمهم”، والمؤمن شاكر لله راض بنعمه، فلا يحسد الغني لغناه، ولا يحسد صاحب الجاه لجاهه، وفي هذا يقول الله تعالى: “ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض”، كما أن المؤمن كثير الصدقة بالمال والكلمة الطيبة والابتسامة في وجه أخيه، وفي الحديث “كل معروف صدقة”.
كراهية الآخرين
ويقول د عبد الباسط محمد خلف رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الدراسات الإسلامية يجب على كل مسلم حتى يتقي الحسود ألا يثير الكراهية في الآخرين، وعليه أن يحرص دائماً على خدمة الناس ومساعدتهم بشكل لا يثير حقدهم، وفي الحديث “كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة”، وتعد الرقية الشرعية من أبرز أساليب علاج الحسد، وهي عبارة عن دعاء بالشفاء والعافية والتحصين، وقراءة آيات من القرآن والتعوذ من الأدواء والآفات التي تصيب الروح والبدن ومنها الحسد، وهي من الأمور المستحبة شرعاً، والأفضل أن تكون الرقية بالقرآن والأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين.
ويضيف: ومن أدعية التحصين من الحسد الدعاء بالبركة، فإذا رأى المسلم في نفسه أو ولده ما يعجبه عليه أن يقول: “ما شاء الله لا قوة إلا بالله اللهم بارك عليه”، كذلك يجب الإكثار من قراءة سور الإخلاص والفلق والناس وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، ويجب على كل مسلم أيضاً أن يدرك أنه من الإيمان ألا يخاف الإنسان الحاسد، وأن يصبر على حسده بل ويحسن إليه حتى يكسر فيه نار حسده، ومن الأدعية الشرعية للوقاية من الحسد ما رواه ابن ماجه في سننه عن عبادة بن الصامت “بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك، من حسد حاسد، ومن كل ذي عين، الله يشفيك”، وأيضاً “أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة”.
ويشير إلى أن هناك العديد من التقاليد الاجتماعية الخاطئة يقع فيها البعض لرد الحسد مثل تعليق التمائم والأحراز والخرزة الزرقاء، مؤكدا أن هذه التمائم والأحراز منهي عنها شرعاً، فتعليق هذه الإحراز لا معنى له، ولو أعتقد فيها أحد أنها ترد الحسد، فقد أدخل في نفسه باباً من أبواب الشرك بالله، وفي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعه فلا ودع الله له”، وعن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من معدن، فقال: “ما هذه؟ قال الرحل: من الواهنة فقال الرسول: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا”.