الشائعات من أخطر الأمراض المدمرة، فكم من الشائعات جنت علي أبرياء، وكم من الشائعات أشعلت نار الفتنة بين الأصفياء؟! وكم من الشائعات نالت من علماء وعظماء؟! وما أكثر الإشاعات التي تطلق في أوساطنا ونسمعها هذه الأيام، إشاعات مقصورة، وإشاعات غير مقصودة. فلا يكاد يشرق شمس يوم جديد إلا وتسمع بإشاعة في البلد.
من هنا أو من هناك، فكم للشائعات من خطر عظيم في انتشارها وأثر بليغ في ترويجها. وكم عانت بلادنا وأوطاننا من هذه الشائعات التي تأتي علي الأخضر واليابس..ولعل من أخطر الإشاعات تلك التي تستهدف لحمة الأمة وتماسكها ووحدتها الوطنية.
أكد علماء أن الإسلام اتخذ موقفا حاسما حازما قويا من الشائعات ومروجيها والقرآن الكريم وصفهم بالفسق. وحث الناس علي التثبت والتبين قبل قبول الخبر الكاذب والتصرف من منطلق هذا الخبر ثم الندم عليه بعد ذلك كما توعد الله تعالي أولئك الذين يلوكون في الأعراض ويسرهم إشاعة الفاحشة في المجتمع بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة وحذر الإسلام من الغيبة والنميمة والوقيعة في الأعراض. والكذب والبهتان وأمر بحفظ اللسان، وأبان خطورة الكلمة، وحرم القذف والإفك.
وأشاروا الي أن النبي صلي الله عليه وسلم حذر مروجي الشائعات وذلك من خلال قوله عليه الصلاة والسلام: كفي بالمرء كذبا أو إثما أن يحدث بكل ما سمع كما بين صلي الله عليه وسلم أن أبعد الناس منه مجلسا يوم القيامة الثرثارون .
ويدعو العلماء لأن نحسن الظن ببعضنا البعض أفرادا وجماعات فلا ننساق وراء الشائعات المغرضة التي لا هدف لها إلا هدم الوطن كما يجب علي كل إنسان عاقل ألا يتحدث بكل ما يسمعه ولا ينشره، الأمر الذي يؤدي إلي عدم نشر الشائعات والقضاء عليها ووأدها في مهدها قال الله تعالي: ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم وكفي بالمرء أثما أو كذبا أن يحث بكل ما سمع..
ورصد السياق القرآني ظهور الشائعة وانتشارها واستهدافها الأنبياء والمرسلين، ونهي المسلم عن أن يكون بوقا ناقلا لها :"يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسي فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها الأحزاب".
كما رصد السياق القرآني خطورة الشائعة، ووجه إنذارا شديد اللهجة للمنافقين ومرضي القلوب والمشيعين للأخبار الكاذبة إن لم يكفوا عن هذا الأذي: "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيـلا الأحزاب".
وقد نبه القرآن الكريم رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام بعد الهجرة إلي المدينة إلي خطورة القوي المناوئة، وأنه سيقع منهم إفساد متعدد الوجوه يأخذ شكل الإرجاف والجدل وتسويق الشائعات، ونبههم إلي ضرورة الاستعداد لمواجهة تلك الحملات :"وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ".
وضع الرسول صلي الله عليه وسلم تصورا لمواجهة هذا الداء الخبيث والشر المستطير الذي نسميه الشائعة، وهو تصور علينا محاكاته والاستفادة منه،وتمثل أدواته وأساليبه.
أولا:الإعلام عن الخطط والسياسات، حيث أرسي النبي صلي الله عليه وسلم مبدأ إطلاع الناس علي الخطط والسياسات قبل حدوثها بوقت كاف حتي لا يحدث فراغ في المعلومات يؤدي إلي انتشار الشائعات.فقد أعلم الرسول صحابته في المرحلة السرية من تاريخ الدعوة بالهجرة إلي المدينة:فقد قال لأبي ذر الغفاري وهو من السابقين إلي الإسلام إني قد وجهت إلي أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب
ثانيا:معالجة الظواهر المعبرة عن سوء الفهم.
كان يحدث أحيانا أن يفهم البعض أمورا علي غير ما قصده الرسول، أو يدرك أمرا إدراكا لا يستقيم مع روح الإسلام ومبادئه، عند ذلك كان النبي لا يدع هذه المواقف تمر دون أن يوضح للناس ما خفي عليهم أمره حتي لا تسري الشائعات بينهم.
ثالثا:التصدي السريع للشائعات.علم رسول الله أهله التصدي للشائعة( علي وجه السرعة حتي لا يتفاقم تأثيرها السلبي) عن طريق الإعلام الصادق.
خامسا:عدم التعجل في الحكم علي الأحداث: وجه القرآن الكريم أولئك الذين يأخذون بظواهر الأمور قبل التحقق منها فينشرونها إلي ضرورة أن ترد الأمور إلي أصحاب المعرفة وأصحاب الأفكار القوية الواضحة وإلي المسئولين فإنهم أدري وأعرف ببواطن الأمور وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم النساء كما أمر القرآن بضرورة التحصن من الأخبار الكاذبة التي تؤدي الي بلورة رأي عام علي أساس غير سليم، والتثبت من مصداقيتها :"يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين الحجرات."
يؤكد د. حسن عماد مكاوي، عميد كلية الإعلام الأسبق، أن مواقع التواصل الاجتماعى يعتبرها عدد ضخم من القراء والمتصفحين المصدر الأساسى لمعرفة الأخبار لكن بحسب الدراسات التى اجراها الباحثون فى هذا الشأن فقد أثبتت أن معظم المعلومات على هذه الوسائل إما مغلوطة أو مغرضة أو ناقصة وأن السبب وراء اعتماد عدد كبير من الجمهور عليها سرعة انتشارها وكذلك تدفق الأخبار عليها بشكل ضخم وسريع ولأكثر من مصدر.
وأضاف مكاوى أن بعض الجماعات التكفيرية تستغل فكرة الكتائب الإلكترونية والتى تعتبر كارثة، وهى مجموعة من الحسابات الوهمية مغلوطة البيانات ويمتلك الشخص الواحد فى الكتيبة عدد كبير من الحسابات والتى يروج من خلالها لخبر ما مغلوط او يخدم الجماعة التكفيرية او الارهابية المنتمى لها ثم يقوم ببقية الحسابات الاخرى بالتأكيد على الخبر ونشره فى مجال أكبر وأوسع، حتى يبدأ الناس فى تصديق الخبر ونشره ايضًا وذلك من أجل زعزعة الاستقرار والتأثير على الدولة وعلى أمن المواطنين وخلق حالة من الجدل والبلبلة.
وأوضح أن الإعلام يجب ان يكون له دور أقوى وأسبقية فى نشر الأخبار بعد التحرى منها ونشرها بدقة لأن ما يحدث الآن خطأ كبير بسبب أن وسائل التواصل الاجتماعى تسبق غالبا فى نشر الاخبار وبالتالى تستقى وسائل الاعلام الاخبار من السوشيال ميديا.
أما عن الحلول فأكد مكاوى أنه لابد من تصحيح الوضع فى الإعلام وأن تكون السوشيال ميديا تابعة للاعلام وتنقل عن التلفاز والصحف وليس العكس وأنه يجب حدوث تطوير وطفرة من خلال تدريب الاعلاميين الجديد وتصحيح بعض المفاهيم واختيار الكوادر التى تتمتع بالكفاءة، وحتى يحدث هذا لابد من التأكد من صحة الأخبار المتواجدة على السوشيال ميديا لأنها نادرا ما تكون صحيحة فهى غالبا ذات توجه او بها اخطاء قبل نشرها وتداولها.
وتقول د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ان ترويج الشائعات من خلال السوشيال ميديا يمثل بالفعل تهديدا كبيرا على الوطن، حيث تمتلك مصر 60% من الشباب بالاضافة إلى 30% من الأميين، ناهيك عن الجهل الثقافى الذى ترتفع نسبته من حين لآخر.. ولذلك لابد من مواجهة تلك الشائعات والحرب التى يتعرض لها الوطن باستخدام السوشيال ميديا من خلال تكوين جهات رسمية على هذه المواقع للرد على الشائعات المغرضة التى يتأثر بها بشدة بعض الفئات بالمجتمع، بل يساعدوا على انتشارها أيضاً.