قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [ البقرة : 6-10].
تتناول الآيات بالوصف صنفين من الناس وهم الكفار والمنافقون، أما الكفار فإن الله ختم على قلوبهم فلا فائدة من تذكيرهم وإنذارهم، فهم لن يؤمنوا حتى ولو رأوا أعظم الآيات، وشاهدوا أعظم المعجزات، فقد ختم الله على قلوبهم فلن تفقه الحق، ولن تعود إلى الهدى، وجعل على أبصارهم غشاوة، فلا يرون الحق الأبلج والهدى البين والآيات التى تكاد تنطق بوجود الخالق وصدق النبوة.
وأما الصنف الثانى فهم المنافقون فإنهم يقولون بألسنتهم ما لا يوافق قلوبهم إنهم لا يخادعون النبى صلى الله عليه وسلم ولكنهم يخادعون الله، ولكن هل يغلب المخلوق الخالق إنهم ما يخدعون إلا أنفسهم، وما يسيرون إلا وراء مرض قلوبهم الذى زاده الله عقابًا لهم فى الدنيا والآخرة .
ويلاحظ أن العاقبة التى تنتظر الفريقين متشابهة، العذاب العظيم، والعذاب الأليم.
كما يلاحظ أن الآيات كان محورها القلب وأحوال القلب الذى ختم عليه وهو قلب الكافر والقلب المريض وهو قلب المنافق فما قيمة القلب وما مكانته فى الهدى والضلال.
إذا ختم على القلب فلا فائدة فى الجوارح:
إن الله تعالى جعل للقلب مكانة خاصة، وجعل سعادة العبد فى سلامة قلبه وخشوعه وإخلاصه وإنابته وتعلقه بالله تعالى وحبه له، قال تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ*إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة: الشعراء:88-89]، وقال تعالى: {مّنْ خَشِى الرّحْمَـَنَ بِالْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مّنِيبٍ*ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ} [سورة: ق - الآيات:33-35].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) [رواه مسلم كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم، ح رقم (4651) ].
- والقلب محل الإيمان، وموضع الإخلاص، قال تعالى: {لاّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ يُوَآدّونَ مَنْ حَآدّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوَاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ} [سورة: المجادلة - الآية: 22].
- ولمكانة القلب وأنه محل الإيمان ومنبع النية أمر الله سبحانه وتعالى بتطهير القلب وتنقيته وتزكيته، من الشرك والشك ومن سائر الأمراض التى تصيبه، وقد جعل الله تعالى ذلك من غايات الرسالة ، قال تعالى: {هُوَ الّذِى بَعَثَ فِى الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مّبِينٍ} [سورة: الجمعة - الآية: 2]، وقال فى شأن المنافقين واليهود: {أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِى الدّنْيَا خِزْى وَلَهُمْ فِى الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[سورة: المائدة - الآية: 41].
وقد قيل إن أنواع القلوب على سبعة أوجه:
- قلب الكافر: قال تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ قُلُوبُهُم مّنكِرَةٌ وَهُم مّسْتَكْبِرُونَ} [سورة: النحل - الآية: 22].
- قلب المنافق: قال تعالى: {فِى قُلُوبِهِم مّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [سورة: البقرة - الآية: 10].
- قلب العاصين: قال تعالى: {فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ اللّهِ أُوْلَـَئِكَ فِى ضَلاَلٍ مّبِينٍ} [سورة: الزمر - الآية: 22]. وقال تعالى: {كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ مّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [سورة: المطففين - الآية: 14].
- قلب خواص العباد: قال تعالى: {مّنْ خَشِى الرّحْمَـَنَ بِالْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مّنِيبٍ} [سورة: ق - الآية: 33].
- قلب المحبين: قال تعالى: {إِنّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَىَ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [سورة: ق - الآية: 37].
- قلب الخائفين: قال تعالى: {الّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصّابِرِينَ عَلَىَ مَآ أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِى الصّلاَةِ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [سورة: الحج - الآية: 35]. وقال تعالى: {وَالّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنّهُمْ إِلَىَ رَبّهِمْ رَاجِعُونَ} [سورة: المؤمنون - الآية: 60].
- قلب العارفين: قال تعالى: {إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة: الشعراء - الآية:89].
وأمراض القلوب قد تصيب المؤمن عندما يعتريه الضعف أو يرتكب المعاصى فقد روى أحمد والترمذى وابن ماجة عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِى قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِى ذَكَرَهُ اللَّهُ فِى كِتَابِهِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سورة: المطففين - الآية: 14])).
وهذه الأمراض أشد عند المنافقين وتبلغ الذروة عند الكافرين، قال تعالى عن المنافقين: {أَمْ حَسِبَ الّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مّرَضٌ أَن لّن يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغَانَهُمْ* وَلَوْ نَشَآءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [سورة: محمد - الآيتان:29-30].
وقال تعالى عن مشركى أهل الكتاب: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ يَقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَد تّعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمّا زَاغُوَاْ أَزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة: الصف - الآية: 5]، فمرض قلوبهم تمثل فى زيغهم وعدولهم عن اتباع الحق الذى جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر ابن القيم -رحمه اللَّه تعريف القلب المريض فقال: ((هو قلب له حياة وبه علة، فله مادتان، تمده هذه مرة، وهذه أخرى، وهو لما غلب عليه منهما: ففيه من محبة اللَّه تعالى والإيمان به والإخلاص له، والتوكل عليه، ما هو مادة حياته. وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها، والحسد والكبر والعجب، وحب العلو والفساد فى الأرض بالرياسة، ما هو مادة هلاكه وعطبه. وهو ممتحن بين داعيين: داع يدعوه إلى اللَّه ورسوله والدار الآخرة، وداعٍ يدعوه إلى العاجلة. وهو إنما يجيب أقربهما منه باباً، وأدناهما إليه جواراً)) [إغاثة اللهفان (1/9)].
وقد بينت الآيات القرآنية هذه الأمراض ونسبتها لهاتين الفئتين فقط، ولم يرد وصف المؤمنين فى سياق الحديث عن صفات القلوب بواحد من هذه الأمراض البتة، مما يدل على أن المؤمن لا ينبغى له أن يتصف بهذه الصفات، ولا يليق به أن يتلبس بهذه الأمراض، فإن نسى فوقع فى ذنب أو مسه طائف من الشيطان تذكر ونزع ورجع عن معصيته وتاب إلى الله تعالى، قال تعالى: {إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ} [سورة: الأعراف - الآية: 201]. قال تعالى: {وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوَاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلاّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرّواْ عَلَىَ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة: آل عمران - الآية:135].
هذا هو الفرق بين المؤمن الحق وبين المنافق والكافر؛ وذلك أنه لا يصر على التمادى فى الذنب. أن تقع فى الذنب هذه مرحلة لا بد منها، كما روى الترمذى وابن ماجة عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)) [رواه الترمذي، كتاب صفة القيامة، برقم(2423)]، أما التمادى فى الذنب والإصرار عليه فهى المرحلة الخطيرة التى تؤدى إلى الهلاك ؛ لأنها تقود إلى مرحلة الختم والطبع على القلب.
والقلب المطبوع عليه هو المختوم عليه، الأغلف الذى عليه غلاف، وعليه الأكنة والران، وهذه أوصاف خاصة بقلوب المنافقين والكفار، وقد وصفت السنة قلب المنافق بأنه (منكوس)، وقلب الكافر بأنه (أغلف).
قال تعالى عن المنافقين: {وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مّعَ الْقَاعِدِينَ* رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} [سورة: التوبة - الآيتان:86-87]، وقال تعالى: {إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [سورة: التوبة - الآية: 93].
وقال تعالى عنهم: {وَمِنْهُمْ مّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّىَ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ وَاتّبَعُوَاْ أَهْوَآءَهُمْ} [سورة: محمد - الآية: 16].
وقال تعالى عن الكفار: {إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِهمْ وَعَلَىَ سَمْعِهِمْ وَعَلَىَ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} [سورة: البقرة - الآيتان:67]. والختم الذى ذكره الله تبارك وتعالى فى قوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ}، نظيرُ الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف، التى لا يوصَل إلى ما فيها إلا بفضِّ ذلك عنها ثم حلّها. فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وَصَف الله أنه ختم على قلوبهم، إلا بعد فضِّه خَاتمَه وحلِّه رباطَه عنها.
وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنّهُمُ اسْتَحَبّواْ الْحَيَاةَ الْدّنْيَا عَلَىَ الاَخِرَةِ وَأَنّ اللّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ* أُولَـَئِكَ الّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [سورة: النحل - الآيتان:107-108].
وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً} [سورة: النساء - الآية: 155] .
قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىَ قُلُوبِهِمْ أَكِنّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلّ آيَةٍ لاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتّىَ إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ} [سورة: الأنعام - الآية: 25]، وقال تعالى: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنّةٍ مِمّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنّنَا عَامِلُونَ} [سورة: فصلت - الآية: 5].
قال تعالى: {إِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ* كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ مّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [سورة: المطففين - الآيتان:13-14].
يظهر لنا من خلال سياق الآيات القرآنية أن الحديث عن هذه الأوصاف خاص بالمنافقين والكفار، غير أن الدرس الذى ينبغى أن يعيه المؤمن، ولا ينبغى له أن يغفل عنه هو أن على المؤمن أن يبحث عن قلبه بين هذه الأقسام، ويجد له محلًّا بينها، فإما أن يكون قلبه سليما، أو يكون مريضًا أو مطبوعا عليه.
ومن أنواع القلوب القلب القاسى الميت الذى ليس فيه حياة، وهذا الوصف فى القرآن الكريم خاص بقلوب الكفار دون غيرهم، ولم يشترك المنافقون معهم فيه.
قال ابن القيم -رحمه اللَّه فى تعريف القلب القاسى الميت: ((هو الذى لا حياة به، فهو لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالى إذا فاز بشهوته وحظه، رضى ربه أم سخط، فهو متعبد لغير اللَّه: حباً، وخوفاً، ورجاء، ورضا، وسخطاً، وتعظيماً، وذلاً، إن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه. فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا مولاه. فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه. فهو بالفكر فى تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور، ينادَى إلى اللَّه وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد، ولا يستجيب للناصح، ويتبع كل شيطان مريد. الدنيا تسخطه وترضيه. والهوى يُصِمّه عما سوى الباطل ويعميه، ... فمخالطة صاحب هذا القلب سَقَم، ومعاشرته سُمّ، ومجالسته هلاك" [إغاثة اللهفان (1/9)].
وقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم القلوب أربعة: كما روى أحمد عَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ: قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ، وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ، وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ، وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ: فَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَجْرَدُ، فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ، سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ. وَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَغْلَفُ، فَقَلْبُ الْكَافِرِ. وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ، فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ، عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ. وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُصْفَحُ، فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ، فَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ، وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ، فَأَى الْمَادَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ)) [رواه أحمد، (3/17].
وكذلك الأمر عند حذيفة بن اليمان رضى الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أبى البختري، عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال: القلوب أربعة: ((قلب أجرد فيه سراج يزهر، فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف، فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس، فذلك قلب المنافق، وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما)) [رواه أحمد، (3/17 حلبي)، باقى مسند المكثرين، مسند أبى سعيد الخدري].
قال ابن القيم: قوله: قلب أجرد: أى متجرد مما سوى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد تجرد وسلم مما سوى الحق. وفيه سراج يزهر: هو مصباح الإيمان، فأشار بتجرده إلى سلامته من شبهات الباطل وشهوات الغي، وبحصول السراج فيه إلى إشراقه واستنارته بنور العلم والإيمان.
وأشار بالقلب الأغلف إلى قلب الكافر؛ لأنه داخل فى غلافه وغشائه، فلا يصل إلى نور العلم والإيمان، كما قال تعالى حاكيا عن اليهود: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مّا يُؤْمِنُونَ} [سورة: البقرة - الآية: 88]، وهو جمع أغلف، وهو الداخل فى غلافه، وهذه الغشاوة هى الأكنة التى ضربها الله على قلوبهم عقوبة لهم على رد الحق والتكبر عن قبوله، فهى أكنة على القلوب، ووقر فى الأسماع، وعمى فى الأبصار، وهى الحجاب المستور عن العيون فى قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ حِجَاباً مّسْتُوراً* وَجَعَلْنَا عَلَىَ قُلُوبِهِمْ أَكِنّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبّكَ فِى الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلّوْاْ عَلَىَ أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} [سورة: الإسراء - الآيتان:45-46].
وأشار بالقلب المنكوس، وهو المكبوب، إلى قلب المنافق، كما قال تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِى الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوَاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [سورة: النساء - الآية: 88]، أي: نكسهم وردهم فى الباطل الذى كانوا فيه، بسبب كسبهم وأعمالهم الباطلة.
وأشار بالقلب الذى له مادتان إلى القلب الذى لم يتمكن فيه الإيمان ولم يزهر فيه سراجه، حيث لم يتجرد للحق المحض الذى بعث اللَّه به رسوله، بل فيه مادة منه ومادة من خلافه، فتارة يكون للكفر أقرب منه للإيمان، وتارة يكون للإيمان أقرب منه للكفر، والحكم للغالب وإليه يرجع [إغاثة اللهفان 1/18].
وتوضح الآيات صورة لصفات المنافقين وإن كانت الآيات ذكرت بعضًا منها إلا أنها كثيرة على مدار القرآن الكريم نذكر أبرز هذه الصفات وهي:
1- مرض القلب:
قال الله تعالى: {فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10].
2- الطمع الشهواني:
قال الله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَض} [الأحزاب:32].
3- الزيغ بالشبه:
قال الله تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الحج:53].
4- التكبّر والاستكبار:
قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون:5].
5- الاستهزاء بآيات الله والجلوس إلى المستهزئين بآيات الله:
قال الله تعالى:{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} [التوبة: 64].
6- الاستهزاء بالمؤمنين:
قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14-15].
7- الظن السيئ بالله تعالى:
قال الله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح:6].
8- عدم الثقة بوعد الله تعالى ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم:
قال الله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:12].
9- صدّ الناس عن الإنفاق فى سبيل الله:
قال الله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:7].
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه قال: كنت فى غزاة، فسمعت عبد الله بن أبى يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا من حولِه، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمّى أو لعمر، فذكره للنبى صلى الله عليه وسلم، فدعانى فحدّثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبى وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذّبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدّقه، فأصابنى همّ لم يصبنى مثلُه قطّ، فجلست فى البيت فقال لى عمّي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك، فأنزل الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}. فبعث إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقرأ، فقال: ((إن الله قد صدقك يا زيد)) [أخرجه البخارى فى التفسير، باب: قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} (4900)، ومسلم فى صفات المنافقين وأحكامهم (2772)].
10- التستّر ببعض الأعمال المشروعة للإضرار بالمؤمنين:
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة:107].
11- التفريق بين المؤمنين والدّسّ والوقيعة وإشعال نار الفتنة واستغلال الخلافات وتوسيع شقّتها والإفساد فى الأرض وادعاء الإصلاح:
قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:11].
12- السفه ورمى المؤمنين بالسفه:
قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13].
13- الاتفاق مع أهل الكتاب ضدّ المؤمنين والتولى فى القتال:
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} [الحشر:11-12].
14- الطبع على القلوب فلا يفقهون:
قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد:16].
15- فتنة النفس والتربّص والاغترار بالأماني:
قال الله تعالى: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِى حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14].
16- مخادعة الله تعالى والكسل فى العبادات والرياء فى الطاعات وقلة ذكر الله:
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاّ قَلِيلاً} [النساء:142].
وقال ابن القيم: "لهم علامات يعرفون بها مبيّنة فى السنة والقرآن، بادية لمن تدبّرها من أهل بصائر الإيمان، قام بهم ـ والله ـ الرياء، وهو أقبح مقام قامه الإنسان، وقعد بهم الكسل عما أمروا به من أوامر الرحمن، فأصبح الإخلاص عليهم لذلك ثقيلا {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاّ قَلِيلاً} [مدارج السالكين (1/381)].
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم آخذ شعلاً من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد)) [أخرجه البخارى فى الأذان، باب: فضل العشاء فى الجماعة (657) واللفظ له، ومسلم فى المساجد ومواضع الصلاة (651)].
قال ابن حجر: "وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما؛ لقوة الداعى إلى تركهما؛ لأن العشاء وقت السكون والراحة، والصبح وقت لذة النوم" [فتح البارى (2/141) ].
17- التّذبذب والتردّد بين المؤمنين والكافرين:
قال الله تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاء} [النساء:143].
وعن ابن عمر رضى الله عنهما، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة)) [أخرجه مسلم فى صفات المنافقين وأحكامهم (2784) ].
قال النووي: "العائرة: المتردّدة الحائرة، لا تدرى لأَيِّهِمَا تتبع، ومعنى تعير أي: تردّد وتذهب" [شرح صحيح مسلم (17/128)].
18- مخادعة المؤمنين:
قال الله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9].
19- الحلف الكاذب والخوف:
قال الله تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَـٰرَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة:56، 57].
20- يحبون أن يحمَدوا بما لم يفعلوا:
قال الله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:188].
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: إن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [ أخرجه البخارى فى التفسير، باب: قوله: {لاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرِحُونَ بِمَا أَتَوْا} (4567)، ومسلم فى صفات المنافقين وأحكامهم (2777)].
21- الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف والبخل ونسيان الله تعالى:
قال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:67].
باب الأمل لا يغلق:
لا يمتنع مع الطبع والختم والقفل حصول الإيمان؛ بأن يفَك الذى ختم على القلب وطبع عليه وضرب عليه القفلَ، ذلك الختمَ والطابع والقفل، ويهديه بعد ضلاله، ويعلمه بعد جهله، ويرشده بعد غيه، ويفتح قفل قلبه بمفاتيح توفيقه التى هى بيده، حتى لو كتب على جبينه الشقاوة والكفر، لم يمتنع أن يمحوها ويكتب عليه السعادة والإيمان .
ويروى أنه قرا قارئ عند عمر بن الخطاب : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } وعنده شاب فقال: ((اللهم عليها أقفالها، ومفاتيحها بيدك لا يفتحها سواك))
فعرفها له عمر وزادته عنده خيرا . وكان عمر يقول فى دعائه : (( اللهم إن كنت كتبتنى شقيا فامحنى واكتبنى سعيدا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت)).
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم - سورة البقرة (2)
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة