"جل ربنا أن يعامله العبد نقدًا فيجازيه نسيئة"

الحكم الربانية
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

العبادة - إذا أديتها فهي رضوان من الله عز وجل عليك، لأن الله تعالى رضيَ لك الطاعة، ومعنى أن الله تعالى رضيَ لك الطاعة أن الله تعالى أحبك، وإذا أحبك الله فلابد أن يختبرك، ولا بد أن يمتحنك ليرى قوة إيمانك.


وهذه الحكمة معناها أن لا ينتظر العبد المنح الدنيوية المباشرة من الله تعالى جزاء على طاعته له، فليس شرطًا أن يمنّ الله على العبد الطائع بالخيرات الدنيوية على محبة الله لذلك العبد، وإلا فُهم من ذلك أن الله تعالى قد رضى على الكثير من الكفار إذ أعطاهم من النعم ما لا يعدّ ولا يحصى ومتعّهم بالصحة وبالذرية، فإن كل ذلك إمهال من الله تعالى للكفار ومتاعًا لهم في الدنيا فقط، أما في الآخرة فمثواهم النار وبئس المصير، ذلك إن لم يتوبا إلى الله تعالى ويؤمنوا به، قال تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} وقال تعالى: {لاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} فهذا استدراج من الله تعالى للكافرين ثمّ يأخذ بغتة ولا يستطيعون دفع العذاب عن أنفسهم وليس لهم من الله تعالى ولىّ ولا شفيع يوم القيامة.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: ((ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة.)) وإذا لوحظ أن الفساق أو الكفار تيسرت أمورهم؛ فهو استدراج من الله؛ ففي الحديث: ((إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحبّ فإنما هو استدراج)) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}
فينبغي أن يعلم العبد أن كثرة المال بيد الشخص ليست معيارًا لسعادته بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت تمرّ عليهم فترات طويلة لا يجدون ما يقتاتونه وكثيرًا ما حدث عندهم ما نسميه اليوم بـ((المجاعة))، فالله قد يمنع عبده الدنيا رحمة به وحماية له من أضرارها كما يحمي الناس بعض المرضى من الماء إذا كان يضربهم، ففي الحديث: ((إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء))
والواجب على العبد حين وقوع البلاء عدة أمور:
ــ أن يتيقن أن هذا من عند الله فيسلم الأمر له.
ــ أن يلتزم الشرع ولا يخالف أمر الله فلا يتسخط ولا يسب الدهر.
ــ أن يتخذ الأسباب النافعة لدفع البلاء.
ــ أن يستغفر الله ويتوب إليه مما أحدث من الذنوب.
ــ أن يحمد الله تعالى على أن جعل البلاء في غير دينه.
الأمور التى تخفف البلاء على العبد:
ــ الدعاء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة.
ــ الصلاة: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة.
ــ الصدقة ورد فى الأثر عن النبى صلى الله عليه وسلم: "داووا مرضاكم بالصدقة"
ــ تلاوة القرآن، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}
صور الابتلاء:
البلاء له صور كثيرة: بلاء في الأهل وفى المال وفى الولد وفى الدين، وأعظمها ما يبتلى به العبد في دينه.
وقد جُمع للنبي صلى الله عليه وسلم كثير من أنواع البلاء فابتلى في أهله وماله وولده ودينه فصبر واحتسب وأحسن الظنّ بربه ورضي بحكمه وامتثل الشرع ولم يتجاوز حدوده، فصار بحق قدوة يُقتدى به لكل مبتلى.
ومن فوائد الصبر على الابتلاء:
ــ الفوز بمعية الله: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
ــ مضاعفة الأجر والثواب: قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
ــ نيل محبة الله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}
ــ اجتماع خصال الخير في الصابرين: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
وقال ابن رجب في فوائد البــلاء:
- تذكير العبد بذنوبــه فربما تاب ورجـــع.
- زوال قســــوة القلــوب وحدوث رقتهــا.
- انكسـاره لله وذلهِ وذلك أحب إلى الله من كثير من طاعات الطائعين.
- انها توجب للعبد الرجوع بقلبــه إلى الله والوقوف ببابـه والتضـرع له والاستكانــة.
- أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى المخلوق.
- أن البلاء يوصل إلى قلبه لذة الصبر عليه أو الرضا به.
أقوال السلف في الصبر على البلاء:
قال بعض السلف: إن العبد ليمرَض فيذكر ذنوبــه فيخرج منه مثل رأس الذباب من خشية الله فيغفر له .
وقال بعض العلماء : في بعض الكتب السابقــة: إن الله ليبتلي العبد وهـو يحبه ليسمـــع تضرعــــه
قال بعض السلف - وقد عُزّي على مصيبة نالته : مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها يقصد الخصال المذكورة في هذه الآية.
من سوء الأدب مع الله أن يعترض العبد على قدره:
اعلم أخى الحبيب أنه لا يجوز لمسلم أن يتسخط أقدار الله تعالى، أو أن يعترض على حكمه، بل الواجب على المسلم أن يرضى بقضاء الله تعالى، ويصبر لحكمه جل شأنه، ويعلم أنه تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها ويوقعها في مواقعها، وأنه تعالى لا يقضي قضاء إلا كانت له فيه الحكمة البالغة التي تُعجز عقول البشر القاصرة عن إدراكها، والمؤمن الحقّ مهما أصابه من مصاب، فإنه يصبر ويعلم أنه عبد لله تعالى، لا خروج له عن تدبيره وتصريفه، ويعلم أن في صبره الخير الكثير، بل ربما كان هذا البلاء منحة من الله تعالى له لما يترتب عليه من حسن الأثر وعظيم الثواب، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وقال الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ. قال علقمة: هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.