اليأس مانع من بلوغ الكمالات

الحكم الربانية
طبوغرافي

 الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

اليأس مانع من بلوغ الكمالات وهي من الحكم النادرة للإمام بديع الزمان سعيد النورسي، ولا يخفى عليكم أن هذا الإمام من حكماء الزمان، ومن أصحاب العقول النيرة، ومن أصحاب البصيرة، ولقد تعلمت منه ما لا يوازن بالذهب بفضل الله تعالى.
اليأس مانع من بلوغ الكمالات.


أيها الأحباب.. حين تضعف الإرادة، وتلين العزيمة، فإن النفس تنهار عند مواجهة أحداث الحياة ومشاكلها التي لا تكاد تنتهي. وحين يفشل مثل هذا الإنسان في موقف أو مجموعة مواقف، فإنه يصاب باليأس الذي يكون بمثابة قيد ثقيل يمنع صاحبه من حرية الحركة، فيقبع في مكانه غير قادر على العمل والاجتهاد لتغيير واقعه بسبب سيطرة اليأس على نفسه، وتشاؤمه من كل ما هو قادم، قد ساء ظنه بربه، وضعف توكله عليه، وانقطع رجاؤه من تحقيق ما يريد.
إن العبد المؤمن لا يتمكن اليأس من نفسه أبدًا، فكيف يتطرق اليأس إلى النفس وهي تطالع قوله تعالى: {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87]. أم كيف يتمكن منها الإحباط وهي تعلم أن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22، 23].
إن القرآن يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53].
لا يأس في دين الإسلام:
- اليأسُ مَنْهيٌ عنه في الإسلام، بأمر الله _عز وجل_ فلقد قال: { فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} (الحجر: 55).
- وصف الله _عز وجل_ اليأس منه ومن رحمته _سبحانه وتعالى_.. بأنه سبب من أسباب الضلال والكفر، قال تعالى: { إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: من الآية87). وقال تعالى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} (الحجر:56). وذلك لأنّ الإنسان اليائس، يُسيء الظنَّ بربه، وقد قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (البقرة: من الآية216).
يقول عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه_: "لَئِن أضع جمرةً في فمي حتى تنطفي، أحَبُ إليَّ من أن أقولَ لأمرٍ قضاهُ الله _تعالى_: ليتَ الأمر لم يكن كذلك"!..
وروى (ابن حبان) الحديث القدسيّ الشريف: "أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظنّ بي ما يشاء".. ويقول (الشوكاني): "فمَن ظنَّ بربه الخيرَ عامله الله _سبحانه_ على حسب ظنّه به، وإن ظنَّ بربه السوءَ عامله على حسب ظنّه به"!..
كيف نتغلب على اليأس؟
أيها الإخوة الكرام هيا معًا نستعرض بعض الوسائل التى تعين على التغلب على اليأس والتخلص منه:
1- الحرص على الطاعة والمداومة على ذكر الله تعالى والالتصاق المباشر مع الرفقة الصالحة التى تذكرنا بالله تعالى دائمًا، فهذا يقى الإنسان من الوقوع في اليأس.
2- على المسلم أن يعلم أنّ الأمور بعواقبها وخواتيمها، وأنّ الباطل مهما انتفش وعلا.. فهو إلى زوالٍ _بإذن الله_، فاصبر واحتسب وأكثر من ذكر الله _عز وجل_ والدعاء والتوسّل إليه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد:28).
3- ليعلمَ كلُ مَن كان سببًا في إدخالِ اليأس إلى القلوب المؤمنة، بما يُحدِثهُ من فرقةٍ وشقٍ لوحدة المسلمين وتشكيكٍ بمنهج الإسلام.. أنّ إثمه يجري عليه مضافًا إليه آثام مَن غرّر بهم أو فتنهم أو فرّق شملهم، قال صلى الله عليه وسلم: "مَن سنَّ سنةً حسنةً فله أجرُها وأجْرُ من عمِلَ بها إلى يومِ القيامة، ومَن سنَّ سنةً سيئةً فعليه وِزْرُها ووِزرُ مَن عمِلَ بها إلى يومِ القيامة" (رواه مسلم).. ويقول أحد السلف: "رَحِمَ الله مَن إذا ماتَ.. ماتَتْ معه ذنوبُه"!..
4- معرفة سيرة السلف الصالح وقراءة تاريخهم ومعرفة أمجادهم، فذلك يرفع الروح المعنوية عند المسلمين ويقتل اليأس في قلوب الناس، ويحفزهم على الإنجاز والعمل المثمر.
أحبابى.. لو أن المصريين والعرب سلموا للمقولة التى تقول: " الجيش الإسرائيلي لا يُقهر" ما استطعنا أن نهزمهم في حرب تحرير سيناء المباركة، لكن المسل علموا وفهموا أن الله تعالى معهم، ومن كان الله معه فلا يُهزم أبدًا، ففتح الله عليهم، وأنزل عليهم حفظًا من عنده، ومكنهم من النصر، لأن النصر لا يأتى مع اليأس، فاليأس هو الضعف، وهو الاستكانة، وهو الهزيمة.

كيف لك أن تيأس وأنت تعلم أن الله عز وجل معك؟
كيف لك أن تيأس ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيك؟
كيف تيأس والقرآن الكريم دستور يحل جميع مشاكلك؟
كيف تيأس وقد أنعم الله عليك بأعظم النعم وهى نعمة الإسلام؟
كيف تيأس وقد أعطاك النبى صلى الله عليه وسلم علاجًا للهم والحزن والضيق، وهذا العلاج هو ذكر الله تعالى؟
أيها الأخ الحبيب الإسلام يحارب اليأس، وعلاج اليأس في الإسلام، وعلاج اليأس بالتمسك بالله تعالى وبطاعة رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وعلاجه بالتزام القرب من جماعة المسلمين، والتمسك بالرفقة الصالحة، فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول: " (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذّ إلى النار) وقال: (مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) فالشيطان لا يستحوذ إلا على الشخص المنفرد الوحيد البعيد عن الجماعة.
قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} فمن سعى للآخرة حقّ السعى فإن الله تعالى سيعينه على كل الصعاب، ولن يجعل لليأس ولا للشيطان عليه سبيلًا.
اعلم أخى الحبيب أن اليأس مانع من بلوغ مراتب الكمالات. فلا تيأس، ولا تدع اليأس يتسلل إلى قلبك.