لا تفرح بالطاعة لأنها برزت منك، وافرح بالطاعة لأنها برزت من الله إليك

الحكم الربانية
طبوغرافي

  كل طاعة جميلة وكل طاعة فيها ارتقاء حتى لو كانت صغيرة، ولكن الجميل في الطاعة أنها عون من الله تعالى لك، وتأييد من الله تعالى لك أنْ أعانك الملك على طاعته، وارتقى بك فجعلك في زمرة عباده: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ومعنى العبودية هنا أن الله تعالى استخلصك للطاعة وأعانك على الطاعة، وأمدك بأسباب الطاعة، واستعملك واستخلصك لهذه الطاعة، وفي هذه الحالة فإن الله تعالى يعينك على هذه الطاعة لكي تفرح بها، لأن الله تعالى اختصك دون غيرك للقيام بهذه الطاعة، ولسان حالك: ( اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ، أى أن الإنسان لا يؤدي الطاعة إلا إذا جاءته عناية وعون من الله تعالى.

إذا أحب الله تعالى أن يستعملك لطاعته هيأ لك أسباب التوبة، وأسباب الرجوع إليه، إذًا الفرح بالطاعة ليس لأنك أديتها، فإن الإنسان قد يؤدي طاعات متقطعة، يعني يصلي الظهر ولا يصلي العصر ولا يصلي المغرب، ثم يصلي العشاء، الطاعة هنا سلمكم الله تعالى أشبه بمن يروي زرعًا ثم لا يشبع الزرع بالماء، أما مواصلة الطاعة والاستمرار في الطاعة، فتلك النعمة الكبرى التي ينبغى أن تحمد الله تعالى عليها وأن تشكره أنه جعلك أهلًا لها: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي أن العمل الصالح بمعيار القبول عند الله تعالى هو الذى يرتضيه الله تعالى بمواصفات معينة.

 لا تفرح بالصلاة لأنك أديتها ولكن افرح بالصلاة لأنك مواظب عليها، وأن الله تعالى استعملك فيها وحببها إلى قلبك، لا تفرح بالحجّ لأنك أديت الحج، وأنك استطعت أن توفر الوقت والمال والجهد لأداء هذه الفريضة، ولكن افرح بأن الله تعالى هو الذي أعانك لكي تحج، فليست الطاعة التى تؤديها لأنك متميز، أو لأنك متفوق على نفسك، ولكن لأن الله تعالى يريد لك أن تؤدي العبادة بقلبك، وأن الله تعالى حبب إليكم الإيمان، وزينه في قلوبكم أي أن الطاعة هى التي تفرح بها، لماذا؟ لأن الله تعالى استعملك بها، واختارك لها، وأقامك عليها، وغيرك محروم من هذه الطاعات، فلا يؤديها ولا يفرح بها، إذًا عندما تُعان على طاعة وتستمر في هذه الطاعة فإن الله تعالى يكون قد اصطفاك لها فتكون لهذه الطاعة من الجنود الذين يقومون إلى صلاة الليل أو التهجد لا يوقظهم أحد، لأن الساعة الإيمانية في داخله مستعملة في طاعة الله تعالى، فتنهض لها وتعمل بها ثم عندما تداوم على هذه الطاعة تفرح بها؛ لأن الله تعالى هو الذى أعانك عليها، وهو الذى هيأك لهذه الطاعة، وجعلك تؤديها وأنت منشرح الصدر.

 كثير من الناس يؤدون العبادات و لا يجدون لها طعمًا ولا لونًا، هذا رجل يأتي أمام النبى صلى الله عليه وسلم ويصلي، وينتهي من صلاته السريعة الخاطفة، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: "صل فإنك لم تصل" فيعيد الصلاة مرة ثانية، فيقول له النبى صلى الله عليه وسلم: "صل فإنك لم تصل"، ويعيد الصلاة مرة ثالثه فيقول له: "صل فإنك لم تصل" وهكذا ظل الرجل يؤدي صلاة لا قيمة لها ولا معنى لها لعدم توافر الخشوع والإخـبات والإخلاص فيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "صل فإنك لم تصل"، لا تفرح لأنك ختمت المصحف عشر مرات في الشهر مثلًا أو مرتين أو ثلاثًا أو أربع مرات، ولكن افرح لأن الله تعالى هو الذي هيأك لختم القرآن، هو الذي أعانك على ختم القرآن، هو لذي أمدّك بالأسباب  لكي يكون قلبك متفرغًا لله تعالى، وتفرح لأن الله تعالى استعمل بدنك أنت فصار هذا البدن موظفًّا في طاعة الله تعالى فنعم أجر العاملين، وهم الذين هيأ الله تعالى لهم سمعهم وأبصارهم، والذين ملأ الله تعالى قلوبهم بالطاعة، فنعم أجر العاملين الذين ثبتوا على الطاعات وأحبوها فلما أحبوها كان لسان حالهم: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} فليفرحوا، لماذا يفرحون؟ لأن الله تعالى أراد لهم الخير، فلما أراد الله تعالى لهم الخير ملأ جميع أوقاتهم بطاعة الله تعالى.

 عندما سافرت إلى أوربا وجدت كثيرًا من شباب العرب والمسلمين لا يستطيعون أن يصلوا الجمعة، لأنهم يعملون عند إيطاليين وفرنسيين لا يسمحون لهم بساعة لصلاة الجمعة، فيصلون الجمعة ظهرًا باستحياء وبموضع بعيد حتى لا يراهم صاحب العمل، ونحن هنا في بلادنا المآذن تؤذن على مدى الأربع وعشرين ساعة، وقد تجد عدد المصلين فى صلاة الفجر قد لا يتجاوز العشرة فى أحد المساجد، فنقول سبحان الله كثيرون يريدون أن يصلوا ويحال بينهم وبين الصلاة، وكثيرون تتاح لهم الفرصة لكي يصلوا، والمآذن من حولهم تنادي عليهم، ورغم هذا فهم لا يريدون أن يسمعوا، ويصمون آذانهم، ولا يستجيبون لداعى الله تعالى.

أنت تفرح أن الله سبحانه وتعالى هو الذي جعل لك من جنوده ما يساعدك على أداء الطاعة، قبل أذان الظهر بربع ساعه ستجد أن بدنك لا يستريح إلا أن يقوم للصلاة، إن جنود الله تعالى تؤازرك، فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرًا أمده بجنوده، وعلى هذا سلمك الله تعالى وأحبك فإنك لا تفرح بعمل خير أديته بنفسك لأنك ضعيف، وإنك لن تعان على هذا العمل إلا إذا أعانك الله تعالى عليه، حتى الشكر: {رب أوزعنى} يعني ساعدني {أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي} ولكي لا تفرح بالطاعة إلا إذا كانت من عند الله تعالى، فإن الله تعالى قال: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} مشيئة الله عز وجل هي التي هيأتك لكي تفعل هذا العمل غدًا، فلا  تقل سأفعل ذلك غدًا، وأزور فلان غدًا، لأنك إذا قلت هذا لن تعان، وربما تُعاقب كما عوقب يوسف الصديق عليه السلام كما قال الملك: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} أي يوسف عليه السلام سلمكم الله تعالى وأحبكم يبقى في السجن عشر سنين، لأنه استعان بغير الله تعالى، وقيل سبع سنوات فلبث في السجن بضع سنين، العلماء يقولون البضع من ثلاثة إلى تسعة، يعني عوقب يوسف عليه السلام بسبب هذا لأنه يريد أن يؤدي طاعة، ولكن في طريق الطاعة ربما نستعين بغير الله تعالى فنعاقب.

 لا تفرح بالطاعة لأنها برزت منك إليك، أومن نفسك إليك، ولكن افرح بالطاعة لأنها برزت من الله تعالى إليك، أي كأن الله تعالى يقول في ملأه الأعلى - محمد الصادق - إبراهيم المصلي - سعاد التي تقوم الليل، أي أن الله تعالى سمّاك في الملأ الأعلى بطاعتك، فأنت تفعل ما أمرك الله تعالى به، وما سكنك الله تعالى فيه، قال الله تعالى عن أيوب عليه السلام: { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ  إِنَّهُ أَوَّابٌ } هو صابر ليس باختياره، ولكن لأن الله تعالى أعان أيوب أن يكون صابرًا، فأيوب لا يفرح لأنه صبر، ولكن يفرح لأن الله تعالى جعله في مقام الصبر.

كنا في حكمة اليوم نتحدث عن الفرح بالطاعة التي هي عون من الله تعالى عز وجل، وليس الفرح بالطاعة التي هي من نفسك لأن نفسك متقلبة، لأن الإنسان لا يستقر على حال، ولا يهدأ له بال، { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ }

 "لا تفرح بالطاعة لأنها برزت منك، وافرح بها لأنها برزت من الله تعالى إليك" افرح بالطاعة لأن الله تعالى هو الذي أراد لك أن تؤدي الطاعة، هو الذي أراد لك أن تذهب إلى صلاة الجمعة.

أنت تفرح بالطاعة لأن الله تعالى يهيئ قلبك فتأتي الأوقات وأنت مستعد لأداء العبادات.

 أيها الأحباب الإنسان لا يعتمد على نفسه، ولا يتكل على نفسه، وإنما يعتمد على الله تعالى ويفرح بما آتاه الله، ويرضى بما آتاه الله تعالى، وينسب الطاعة إلى الله تعالى: { وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}.

فالله تعالى يريد لك الخير، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأستعيذ بك من كل شر.

 كانت حكمة اليوم بعنوان "لا تفرح بالطاعة لأنها برزت منك وافرح بالطاعة لأنها برزت من الله تعالى إليك" أي أن الله تعالى هو الذي أراد لك أن تطيعه، فأطعت الله تعالى فكنت على مستوى المسئولية، فافرح أن الله تعالى أعانك أن تساعد عباده المحتاجين، افرح أن الله تعالى أعانك على الصلاة في المسجد،  افرح أن الله تعالى أعانك على انتظار الصلاة بعد الصلاة.

 وهكذا نفرح بالطاعة لأن الله تعالى هو الذي هيأ لنا أسباب الطاعة، وهو الذى أعاننا عليها، فذلك فضله وذلك أمره كما قال الملك: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.

 اللهم اقبلنا وتقبل منا، وارضنا وارض عنا، وعافنا واعف عنا، واكتب لنا كل خير، واصرف عنا كل شر، { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

{يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}