الاعتماد على العمل ليس كافيًا لنجاتك مع نقصان الرجاء، يعني الرجاء فى الله لا بد أن يرتفع ولوكان عمل الإنسان ضعيفًا، لكن الرجاء عنده عال، فإنك تدخل الجنة بالرجاء، إذًا العمل لن يشفع لك وإنما الذى يشفع لك هو الرجاء، وحسن اليقين في الله سبحانه وتعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ﴿الكهف:110﴾ يعني الرجاء مقدم على العمل، وليس العمل مقدمًا على الرجاء.
خدعوك فقالوا: إن العمل يشفع لك ويحجب عنك النيران يوم القيامة هذا خطأ كبير، وإنما الذى يشفع لك يوم القيامة هو حسن الرجاء مع وجود العمل: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 81) إلى أين سيذهب يوم القيامة؟ السيئات والخطايا تحيط به، وتحاصره من كل مكان ماذا يفعل؟
هذا الرجل الذى كان يعبد الله تعالى على قمة جبل كما جاء عند الترمذي، وأوجد الله له شجرة رمّان، والرمّان أيها الأحباب من أشجار الجنة، وأوجد له الله تعالى عين ماء في أعلى الجبل، فمنها يأكل ومنها يشرب ومنها يرتوي وجلس على مدى خمسمائة سنه ليس له عمل، لا زوجة له ولا أولاد، ولا أى شيئ إلا أن يعبد الله تعالى عبادة وهو جالس يرتع في نعيم الملك، فلما مات وقُبض حوسب، فقيل له ادخل الجنة برحمة الله، فقال لا بل أدخل الجنة بعملي، أنا عبدت الله خمسمائة عام منقطعًا لله تعالى، خمسمائة عام ليس لى عمل سوى "لا إله إلا الله" فقالت الملائكة فلنأتى بنعمة من النعم التى أنعم الله تعالى بها عليك فجيئ بنعمة واحدة وهي نعمة العين أو البصر كما قال الملك وحق له أن يكون الملك: { أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 8 - 10]. فجيئ له بعينين أوعين واحدة فوضعت في كفة، ووضعت أعماله وحسناته التى عملها على مدى خمسمائة عام في الكفة الأخرى فرجحت كفة نعمة البصر، فقيل له ادخل النار بعملك. هذا معنى مع وجود الزلل، ادخل النار بعملك، فقال: بل أدخل الجنة برحمة الله تعالى، الله أكبر.
إذًا علامة الاعتماد على العمل معناها: يعني الذى يعتمد على عمله مثله كمثل طالب يذاكر وقيل له صل ركعتين قضاء الحاجة عسى الله أن ينجحك وأن يفتح الله عليك، واقرأ القرآن والأذكار، فقال لهم: انا ذاكرت مذاكرة جيدة جدًا وأنا قوى فى هذه المادة، فلما دخل الامتحان نسي كل شيئ لأنه اعتمد على عمله ولم يعتمد على الله تعالى، ولم يرجُ من الله تعالى المؤازرة والتثبيت: { مَن كان يَرجُو لِقاءَ اللَّهِ فإنَّ أجَلَ الله لآتٍ وهُو السَّميع العَليم} إخواني وأخواتي يعيش المسلم على مرتبة الرجاء، وعلى مقام الرجاء، ولأجل هذا سلمك الله تعالى وأحبك فإن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله في العبادة نفهم منها أنه لم يكن يعتمد على العبادة أبدًا صلوات ربي وسلامه عليه، وإنما كان يرجو رحمة الله تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } تأمل "ويحذر" إذًا حكمة اليوم تخبرك أن العمل لن ينجي أحدًا، { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} والمعنى سلمكم الله تعالى وأحبكم أن الله تعالى جل جلاله يرحمك يوم القيامة إذا كنت راجيًا لعفوه في الدنيا، ولذلك يجب أن نتعلم كيف نرجو ما عند الله تعالى، اللهم اعطني كذا اللهم اعطنى كذا .... اللهم هب لي كذا، اللهم اغفر لي سيئاتي، كل هذا داخل في مقام الرجاء، إذا عاش المسلم في مقام الرجاء فإن عمله الناقص سلمك الله تعالى سيُجبر.
لو جلست مع نفسك لوجدت أن 90% من الوقت الذى أنت فيه في الصلاة بين يدي الملك يضيع فى التفكير فى الدنيا وأمورها التافهة.
أنت فى مقام عمل لكن عملك هذا ناقص، ولذلك هذا العمل لن يشفع لك يوم القيامة: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} قال: تقبل منا ولم يقل اقبل منا، لأن تقبل منا اعتراف من إبراهيم عليه السلام أن عملهما ناقص، علمنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله تعالى بعد كل صلاة، ومعنى ذلك أن الصلاة التى أديناها كانت ناقصة وتُجبر بالاستغفار بعدها، وبختم الصلاة، وعلمنا القرآن أن وقوفك بعرفات ليس كافيًا، وإنما يلزمه بعد أن تقف بعرفات أن تذكر الله: { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} (البقرة: 198) إذًا فالحجّ أيضًا ليس كافيًا إلا أن يكون بعده من الأذكار والاستغفار والرجاء وحسن اليقين ما يجبر نقص العمل.
أيها الإخوة الكرام الاعتماد على العمل يعنى نقصان الرجاء عند وجود الزلل، يعني هناك ذنوب وأخطاء في حياتنا وهذه الأخطاء والذنوب لا تُجبر إلا بالرجاء من الله تعالى، وهو أن الله تعالى يجبر عليك عملك لأن عملك في الأساس حتى إذ أديته في وقته وفي ميعاده يشوبه النقصان، فرب صلاة تسود وجه صاحبها يوم القيامة، ورب حامل علم والعلم يلعنه، ورب حامل للقرآن والقرآن يلعنه، يعني مسألة العمل ليست هى المنجية من النار أبدًا، يستحيل أن تكون هي الحاسمة، ولكن الحاسم أن تعلم أن عندك زلل، وأن عندك نقصان، تعرف أنك مذنب، وأنا مذنب وكل منا يقر بذنوبه، وعندما يقف عند ذنوبه يرجو رحمة الله تعالى مع نقصان العمل، لا حرج أن يكون العمل ناقصًا، الله يعلم، عملك ناقص ولكن ينظر إليك بعين رحمته.
منصور بن عمار واحد من السادة الأكابر لما مات وكان عابدًا من الصالحين الكبار، وقف بين يدي الملك فقال له الملك وحق له أن يكون الملك بم جئتني يا منصور؟ فقال يا رب أديت الحج ستين مرة فقال الملك ما قبلت منها شيئًا، بم أتيتني؟ فقال اعتمرت عشرين ألف مرة، قال تعالى ما قبلت منها شيئًا، بم جئتني يا عمار؟ فقال يا رب صمت لك ستين عامًا، بم جئتني، بما جئتني؟؟ فقال له الملك في كل مرة ماقبلت منها، ما قبلت منها، ما قبلت منها شيئًا، ثم سأله الملك، بم جئتني؟ فقال جئتك مستجيرًا برحمتك من عقابك، فقال الآن غفرت لك.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا.
برنامج الحكم الربانية.. لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عثوض الداعي والمفكر الإسلامي