الاستاذ الدكتور احمد عبده عوض
روي عن حاتم الأصم تلميذ شقيق البلخي، رضي الله عنهما أنه قال له شقيق: منذ كم صحبتني؟
قال حاتم: منذ ثلاث وثلاثين سنة.
قال: فما تعلمت مني في هذه المدة؟
قال: ثماني مسائل.
قال شقيق له: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب عمري معك، ولم تتعلم إلا ثماني مسائل.
قال يا أستاذ لم أتعلم غيرها، وإني لا أحب أن أكذب، فقال هات هذه الثماني مسائل حتى أسمعها.
قال حاتم: نظرتُ إلى هذا الخلق، فرأيت كل واحد يحب محبوبًا، فهو ومحبوبة إلى القبر، فإذا وصل إلى القبر فارقه، فجعلت الحسنات محبوبي، فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي.
فقال: أحسنتَ يا حاتم، فما الثانية ؟
فقال: نظرت في قول الله عز وجل {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40-41]، فعلمت أن الله سبحانه وتعالى هو الحق، فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرتْ على طاعة الله .
الثالثة: أني نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل منْ معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه، ثم نظرت إلى قول الله عز وجل: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96]. فكلما وقع لي شيء له قيمة ومقدار وجّهتـُه إلى الله ليبقى عنده محفوظًا .
الرابعة: أني نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال، وإلى الحسب والشرف والنسب، فنظرتُ فيها فإذا هي لا شيء، ثم نظرتُ إلى قول الله تعالى: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فعملتُ في التقوى حتى أكون عند الله كريماً .
الخامسة: أني نظرت إلى هذا الخلق، وهم يطعن بعضهم في بعض، ويلعن بعضهم بعضًا، وأصل هذا كله الحسد، ثم نظرت إلى قول الله عز وجل {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [ص: 212 ] فتركتُ الحسد، واجتنبت الخلق، وعلمتُ أن القسمة من عند الله سبحانه وتعالى، فتركت عداوة الخلق عني.
السادسة : نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض ويقاتل بعضهم بعضًا، فرجعت إلى قول الله عز وجل: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6]، فعاديته وحده، واجتهدتُ في أخذ حِذري منه، لأن الله تعالى شهد عليه أنه عدو لي فتركتُ عداوة غيره من الخلق .
السابعة: نظرت إلى هذا الخلق، فرأيتُ كل واحد منهم يطلب هذه الكِسرة، فيذل فيها نفسه، ويدخل فيما لا يحل له، ثم نظرت إلى قوله تعالى {ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} فعلمت أني واحد من هذه الدواب التي على الله رزقها؛ فاشتغلت بما لله تعالى علي وتركتُ ما لي عنده .
الثامنة: نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت بعضهم متوكلين على بعض؛ هذا على ضيعته، وهذا على تجارته، وهذا على صناعته وهذا على صحة بدنه، مخلوق متوكل على مخلوق، فرجعت إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} فتوكلت على الله عز وجل فهو حسبي .
قال شقيق: يا حاتم وفقك الله تعالى، فإني نظرت في العلوم، فوجدت جميع أنواع الخير والديانة، وهي تدور على هذه المسائل الثمانية.