الوسواس القهري وتوابعه على الناس

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

نأخذ اليوم منحى جديدا عن الرسائل السلبية التي يبثها الشيطان في نفوس الملتزمين دينيا بأن التزامهم يكون سببًا في

تأخرهم وسببا في مشاكلهم المعيشية والدنيوية، فيبدأ بإلقاء هذه الرسائل السلبية في نفوسهم، وسنتناول في محاضرتنا هذه

بإذن الله تعالى سبل الثبات في وجه الشيطان ومنع رسائله السلبية من الوصول إلى قلوبهم

ونقدم هنا بعض صور الرسائل السلبية التي يبثها الشيطان في نفوس الملتزمين دينيا:

– إشعار الإنسان دائما أنه مقصر، وأنه مهما عمل من أعمال صالحة أن الله لن يقبلها، فعلى المسلم إذا شعر بهذا الشعور أن لا

يلقي له بالا وأن يتابع عمله وأن يوقن بأن الله تعالى سيتقبل منه.

– يفتح له ثغرات للمعاصي حتى ولو كات صغيرة، فيستهين بها في البداية ثم يقع بعد ذلك في المعاصي الكبيرة.

طالما أن الإنسان المسلم فتح ثغرة للشيطان، فليعلم أن الشيطان يريد أن يدمّر أهم شيء عنده وهو توحيد الله، لأن هذا أهم ركائز

وأركان الدين عند الإنسان المسلم، قال تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ

هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: 101].

من مداخل الشيطان على الصالحين مُحَقَّرَات الذنوب فيهوّن الشيطان بعض الذنوب ويصغرها في النفوس فلسان مقال الشخص

أو حاله يقول: أنا أقوم بالواجبات وأجتنب الكبائر فإن لم يكن علي إلا كذا وكذا فالأمر سهل وهذا من مكر الشيطان بالعبد وكيده

له فلا يزال يقارف هذه الصغائر حتى تهلكه، فعن أبي أيوب الأنصاري قال: " إن الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها ويغشى

المُحَقَّرَات، فيلقى الله يوم القيامة وقد أحاطت به خطيئته، وإن الرجل ليعمل السيئة، فما يزال منها مشفقًا حذرًا حتى يلقى الله يوم

القيامة آمنًا".

فقد يسول الشيطان لبعض الناس أن يفعلوا بعض المعاصي الصغيرة، ويهيئون لهم أنها لن تؤثر على إيمانهم، وأنهم إن فعلوها

فلن يضروا بدينهم شيئا، فيتعوّد الإنسان على المعصية الصغيرة ويستهين بها، فيلقي بنفسه فريسة للشيطان وهو لا يدري ومن

ثم يسهل له الوقوع في كبار الذنوب والمعاصي، وعن أنس رضي الله عنه قال: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من

الشعر ، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) والموبقات هي المهلكات التي تهلك العبد.

طرق الوقاية من الوساوس الشيطان:

– الاعتصام بالله: اعلم أنك إن اعتصمت بالله أرشدك إلى سبل الثبات على الحق، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا

تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، والاعتصام بالله هو طريق النجاة في

الدنيا، وسبيل الجنان في الآخرة، قال تعالى: ، {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، والاعتصام بالله يتمثل في

الحفاظ على الطاعات والبعد عن المعاصي، وذكر الله تعالى والاستغفار والقرب من كتاب الله تعالى.

- زيادة نسبة الالتزام، الشيطان يريدك بعيدا عن الله، ويريدك مذنبا ويريدك صديقا له، والله يريد لك أن تكون عدوا له، فاسمع

إلى قول الله تعالى : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير}، فعليك أن لا تتبالي به،

بل تزيد من قوة إيمانك بالله، وتتمسك بالله تعالى، وتزيد من الأعمال الصالحة، فأنت إن فعلت ذلك كله فقد وجهت إليه ضربة

قاضية، وبنيت بينك وبينه سورا عاليا لا يستطيع أن يجتازه.

- مجالسة أهل العلم، فإن مجالسة أهل العلم تزيد المؤمن إيمانا، ويكون بهم قويا، وأنه إذا حضر مجالسهم فإن الملائكة تحفظه

معهم، فضلا عن النهل من علومهم والانتفاع منهم في الدنيا، والاستئناس بهم في الآخرة.

- الالتزام بالصحبة الصالحة ومرافقة الجماعة، فإن الصحبة الصالحة هي التي تزيد الإنسان إيمانا وتحميه من وساوس

الشيطان، وكذلك الاعتصام بجماعة المسلمين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ثلاثة نفر في قرية ولا بدو لا تقام

فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))، فالصديق الصالح يحب لصديقه

الخر، ويرشده إلى الطاعات ويذكره بالله دائما، ويخاف عليه من الوقوع في المعاصي.

- ذكر الله تعالى، فإن ذكر الله حاجز بين العبد والشيطان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال لسانك رطبا بذكر الله))

فالذكر حماية للقلب، وحماية للروح، وحماية للجسد من الأسقام والأمراض، فإن ذكر الله تعالى يرفع الإنسان عند الله تعالى، قال

تالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ

شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ}.

أيها الأحباب.. إن الشيطان لا يزال بالعبد المسلم يلقي إليه بالرسائل السلبية ليفسد عليه حياته، ويخرب عليه دينه، واعلم - أخي

الحبيب – أن الشيطان يتعمّد أن يوسوس لللعبد الطائع أكثر من غيره، لأن العبد العاصي قد وقع بالفعل فريسة سهلة لديه، ونفسه

الأمارة بالسوء تعمل بكل كفاءة في مساعدة الشيطان لنيل غرضه من ابن آدم.

كل إنسان مسلم عنده قدر من الوسوسة، ولكن يختلف هذا القدر من إنسان إلى إنسان حسب الظروف المحيطة بالإنسان، فلا يسلم

أحد من وسوسة الشيطان، ولكن القضية في كم الوسوسة، فمن تغلب عليه الشيطان بكثرة الوساوس واستسلم لها صار من

أصحاب الوسواس القهري، وصار من أصحاب الرهاب الاجتماعي، وتغلب عليه المرض النفسي والاكتئاب، فتجد أحدهم

يصلي فيكبر تكبيرة الإحرام أكثر من عشر مرات، وتجد أحدهم يتوضأ ويعيد وضوءه مرات عديدة، وتجد أحدهم يشك في

زوجته ويديم مراقبته لها وهي بريئة من كل شكوكه، وتجد امرأة تبالغ في الخوف على أبناءها من كل شيء، حتى من الشارع،

فتزرع في نفوسهم الرهاب الاجتماعي والخوف الشديد من مشاكل الحياة فينتج عن ذلك جيل مليء بالأمراض النفسية

والإحباطات.

أيها الأحباب .. إن كثيرا من الناس يعتقد مخطئا أن الملتزمين لا يصابون بالوسوسة، ولا يتمكن الشيطان منهم، بل إن الشيطان

أسمى غاياته وأكبر أهدافه أن يصل إلى قلوب الطائعين من الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن اتلشيطان يجري من ابن

آدم مجرى الدم))، فلا يزال الشيطان بابن آدم حتى يوقعه في المعاصي، والمفلح - أيها الأحباب – هو من يعمل الذنب ثم يتوب

منه ويعزم تمام العزم ان لا يعود إلى المعصية نفسها مرة أخرى، فلا عصمة لأي أحد من الشيطان، بل أن الله تعالى جعل التوبة

ماحية للوقوع في مصائد الشيطان، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.

واعلم أخي الحبيب أن الاعتصام بالله ودوام ذكره، وحب الطاعات والبعد عن المنكرات، كل هذه الأعمال تغضب الشيطان

وتجعله ضئيلا حقيرا ضعيفا، قال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}،