الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
مجرد أن أقول الاسم الأعظم، يحدث مهابة في قلوب المؤمنين، الأسماء الحسنى فيها مستودع لأنوار الله عز، وجل، وفيها من الخيرات، والبركات، والفتوحات ما لا تستقيم الحياة إلا به، فـ من لا يعرف الله لم يعرف شيئا، مهما حاز قصب السبق في كل نواحي المعرفة، تبقى المعرفة بـ الله، هي أعلى أعلى أعلى مراتب الفهم .
وعلى هذه المعرفة يترتب الحب، فإنك لم تحب الله الملك الحب كله إلا إذا عرفت من هو الله، ولم يدلك على الله تعالى أفضل من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه الملك: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهذه البداية مهمة، رغم أن الدرس عنوانه الاسم الأعظم وإجابة الأنبياء عليهم السلام، المعنى، كيف أن الله تعالى علم كل نبي اسما أعظم، فـعُرف به في القرآن الكريم؟ وعندما دعا الله تعالى به استجاب الله له، لِأجل هذا، عندما نتكلم في مقدمة الدرس عن مراتب العلم بـالله، يأتي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في أعلى المقامات، هو القائل: ((وأنا أعرفكم بـالله))، ولِما لا، لقد رأى ما رأى، ولِما لا، { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}، ولِما لا، { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }ولِما لا، {لَقَد رَأَى مِن آيَاتِ رَبِّهِ الكُبرَى}.
ومن الإعجاز في القرآن الكريم، أن الله تعالى ختم سورة الأنبياء بـالكلام عن رحمة الله تعالى بـالعالمين بـسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فـجمع فيه كل كل الرحمات، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، إذن هناك مجموعة من الضوابط، ستتأدب مع الله عندما تعرف قدر الله، فإذا علمت قدر الله علمت كيف تناجي الملك، وهذه المدرسة هي مدرسة المناجاة والثناء على الله سبحانه وتعالى هي أعلى المدارس معرفة بـالله، بها تميز الأنبياء والعارفون بـالله تعالى.
ولِذا قلت لك: إن أرقى العلوم وأوسعها مدى، وأشدها تأثيرا في قلوب الناس أجمعين، هي العلوم الخاصة بـالتعرف على الله، فالقرآن يقول لك:
وعندما يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم وجب علينا أن نتأدب، لن نتأدب مع الله إلا عندما نعلم قدر الله تعالى، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، لابد أن نفرق بين قدر الله، وبين قدرة الله، إن قدرة الله مأخوذة من اسمه القدير، فـهو { عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } إذا دخلنا في باب القدرة، فإني سأحدثك عن اسم القدير، وإني أحتاج إلى أسبوع كامل لا أتوقف عن الكلام، كي أتكلم فقط عن معنى اسم القدير، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
كيف تبين له؟ عندما شاهد من آيات القدرة، ومن أيات العظمة، وشاهد أعاجيب، وشاهد معجزات، جعله يُسلم، ويستسلم قائلا: أعلم، أي وصلت إلى مرحلة العلم بـالله، والعلم بـالله هو أهم مسألة في الكون، التي قال عنها الملك: {فَاعلَم أَنَّهُ لا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ} إذا علمت التوحيد حق العلم، وجب عليك أن تسلك مسالك الموحدين.
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}، لن تستشعر معنى التوبة إلا إذا علمت معنى لا إله إلا الله، {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم}.
لا إله إلا الله تعطي لك الإحساس بـالأمة الواحدة، أنك في مصر، أو في الجزائر، أو في أي بلد، وتستغفر لأخيك المسلم في استراليا.
الذي جعل عندك إحساسا بـمعاناة أخيك في بورما والفلبين، هو "لا إله إلا الله"، ويقول علماؤنا الكبار: إن الكفار لم ينطقوا بـكلمة لا إله إلا الله، لأنهم كانوا يعلمون موجباتها، ومن موجباتها أنه لا سيد إلا الله، لا عظيم إلا الله، لا كبير إلا الله، لا صمد إلا الله، وهم لا يريدون هذا، بل هم يريدون أن يكونوا آلهة من دون الله، يريدون أن يُحاكِموا الملك، يريدون أن يُحاكِموا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ لأنهم لم يتأدبوا مع الله، لم يكن خلع النعل عند سيدنا موسى عليه السلام إلا إشارة أن هناك مقامات، وهناك مراتب، إذا وصلت إليها ينبغي أن تنخلع من الدنيا وأن تنخلع الدنيا منك، لأن موسى عليه السلام كان قادما إلى مقام جلال، فقال له الملك كي يدرك موسى معنى التغير: { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ .} لأن الاختيار من الملك أتى عليك يا موسى فـأنت هنا في مقام أدب مع الله، قد أخذ موسى، أي هذا الذي يجرى عليه الآن لم يكن مرتبا في ذهنه، لا يعرف أنه سـينادى عليه، وهو عائد من مدين إلى مصر، ويصعد الجبل، وينادي عليه الملك، ويقول له:
{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ } فـكان موسى عليه السلام يحتاج إلى أن يتهيأ لـهذا قال له الملك من باب التهيؤ والتأدب: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}، وأنا أخترتك، { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى* إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } كانت الدنيا محصورة في الجبل، بـصورة أكثر دقة أُخْتُزِلتْ الدنيا كلها في لحظتها في جبل الطور، فـأصبحت الدنيا كلها جبل الطور، واستشعار معنى الجلال ليس في الجبل الذي ولكن الكون كله في حاجة إلى أن يستمع، {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ}، وهو إدراك معنى التوحيد، وإدراك مقام التوحيد، الذي لا يكون إلا لله رب العالمين.
هكذا فهم موسى معنى التوحيد، ومعنى الاسم الأعظم، "إنني أنا الله"، كي تفهم معنى الله يا موسى، لابد أن تدخل جامعة كبيرة اسمها "جامعة التوحيد"، أنه لا إله إلا أنا، فـأعاد أنا مرتين، إشارة إلى أمرين، الأمر الأول، أن الله جل جلاله يختار ما يشاء، ويختص من يشاء برحمته، ولا يناقشه أحد، اختار موسى من بين ملايين البشر، لماذا؟ إنني أنا الله، لابد أن تقف عند أنا، أنا القدير، أنا العظيم، أنا السيد، أنا الصمد، أنا الواحد الأحد، {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}، في البداية الله، وفي النهاية الله، تخرج من بطن أمك، الذي أخرجك الله، فقال الملك: {وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } من الذي أخرجكم؟ الله، جملة اسمية، من الذي علمكم؟ الله، وبعد هذا عندما تنتهي رحلة الحياة، كما خرجت من رحم أمك، تعود إلى رحمة الملك، {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.} حياتك من الله إلى الله.
فقال في شأن الإيجاد في الحياة: {وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ}، وقال في شأن الإماتة: {اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا} جل جلالك يا الله، الدرس الأن فتح لي أسرارا عظيمة، وأعاجيب جميلة، ربما أقولها في حياتي لأول مرة، اللهم علمنا علم ينفعنا، وانفعنا اللهم بما علمتنا، واجعل علمنا يقينا، ودعاءنا يقينا، وخوفنا يقينا، ورؤيتنا يقينا، وحياتنا يقينا، وموتنا يقينا، وحشرنا يقينا، وعرضنا يقينا، اعبد الله كأنك تراه، ((الإحسان أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ))، وعلى هذا قلت لك، بدأنا بسيدنا موسى عليه السلام، الذي فهمنا الآن أن الاسم الأعظم مع سيدنا موسى عليه السلام، هو الله، ولا إله إلا أنت.
الاسم الأعظم لا يعظم به الله، لأن الله تعالى لا يحتاج إلى عظمة، يكفي أنه هو الله، لكن الاسم الأعظم تعظيم لمن عظم الله، حتى قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: ((وأما الركوع فعظموا فيه الرب))، أيكفي أن الله هو العظيم؟ لكنك عندما تقول سبحان ربي العظيم، فإنك تعظم قدرك أنت عند الله سبحانه وتعالى.
وسميت أسماء الله بالحسنى لأنها لله، ولأنها حسنى لمن ناجى بها الله، إذن إدراك المعاني مسألة مهمة في رفعة المسلم عند الله تعالى، لن ترتفع في الدنيا ولا في الآخرة، إلا عندما تتعرف إلى الله تعالى حق المعرفة، إذا ما تعرفت تأثرت، وإذا ما تأثرت خشعت، وإذا ما خشعت بكيت، وإذا ما بكيت سجدت، { وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا * قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} كما قلت لك، هذه كلها مراحل تعرف، تؤدي بك في النهاية إلى مرحلة اليقين.
النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، عندما ضاقت به الأمور، واشتدت عليه المواقف، واضطربت الدنيا أمامه، رفع كلتا يديه إلى الملك، فقال: ((يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت))، إذن الاسم الأعظم الأساسي، بعد الله، لكن النبي صلى الله عليه وسلم، علمنا مجموعة من الأسماء لله تعالى، التي يمكن أن تكون اسما أعظم، لكنني سـأنتقي شيئا، مما علمني ربي.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلا في الأزمات، تعلموها يا أمة الإسلام: ((يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت)). عندما تأتي إلى القرآن الكريم تراه أتى بـنفس هذه الجملة، الله لا إله إلا هو الحي القيوم، عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، أن ينادي بها قال: ((يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت)).