الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
تتحلى شخصية المرأة المسلمة بالملامح التي تجعل حياتها جنة من الرضا، وبستانًا من السعادة يثمر ويعجب الزراع، فهي تتميز بعده صفات أساسية منها:
أولاً: حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم:
وهذا الحب يحملها على وجوب الطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم رحمه الله: ((فالمحبة شجرة في القلب، عروقها الذل للمحبوب، وساقها معرفته، وأغصانها خشيته، وورقها الحياء منه، وثمرتها طاعته، ومادتها التي تسقيه ذكره، فمتى خلا الحبُّ عن شيء من ذلك كان ناقصًا)).
وعلى ذلك فإن استقرت محبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم في قلب المسلمة، حملها ذلك على:
-الحرص على تدبر تلاوة القرآن، الإكثار من النوافل من صيام وصلاة وصدقة ونحو ذلك، كثرة ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان، إفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع، عدم تقديم قول أي شخص على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، مجالسة أهل الطاعة من النساء الصالحات الدينات، تذكر الموت والاتعاظ به، الاعتزاز بشرائع الإسلام، حتى وإن كانت تخالف هواها.
ثانيًا: مراقبة الله عز وجل:
فإن المسلمة حين تغفل عن مراقبة الله عز وجل لها، واطلاعه عليها، يحملها ذلك على اقتحام حرمات الله فتعصيه ولا تبالي، أما المسلمة التقية فهي تستشعر مراقبة الله عز وجل فتستحي من مخالفته، وتطهر ظاهرها وباطنها مما يغضب الله عز وجل، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استحيوا من الله تعالى حق الحياء، من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلا، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل فقد استحيا من الله حق الحياء".
ثالثًا: تجاهد نفسها وتغالب هواها:
فالمسلمة التقية دائمًا في صراع مع نفسها وهواها، تجاهدها وتغالبها بطاعة الله تعالى والتقرب منه، والأنس به، فهي دائمًا تحاسب نفسها، فإن وجدت تقصيرًا -ولا بد- لامتها لومًا شديدًا ووبختها وعصمتها بطاعة الله تعالى، فإن بقيت على ذلك فإن نفسها ستصفو وتزكو وسيصبح هواها مقيدًا دائمًا بالشرع، أما من تترك العنان لنفسها وهواها ليقوداها، هلكت وأضاعت نفسها وخسرت خسرانًا مبينًا.
إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بالله، فإذا لم ترجع فذكرها فاعلم أن لديك مشكلة كبيرة في قلبك0
وقد أخبر الله عز وجل أن اتباع الهوى يضل عن سبيله فقال تعالى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.. ﴾ [ص: 26].
وقد حكم الله تعالى لتابع هواه بغير هدى من الله أنه من أظلم الظالمين فقال تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50].
رابعًا: عدم اتباع خطوات الشيطان:
وذلك يتم بمعرفة مكائده ومصائده، والحذر من وساوسه ودسائسه، فيجب على المسلمة ابتداءً أن تعلم أن الشيطان عدوٌ لبني آدم، فلا يمكن أن يأمرها بخير أو ينهاها عن شر، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].
وصور مكائد ودسائس الشيطان كثيرة، ولنضرب مثالًا يوضح ذلك:
لذا فإنه يجب على المسلمة أن تعرف ما تستعين به على الشيطان، حتى تحفظ نفسها من شركه وحبائله وهي:
-الاستعاذة بالله منه: قال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [فصلت: 36].
- قراءة المعوذات، قراءة آية الكرسي عند النوم، قراءة سورة البقرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة))، قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة كل ليلة، قول: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) مائة مرة كل يوم، تكن لقائلها حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، كثرة ذكر الله عز وجل، الوضوء والصلاة، إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس، فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة، تعظيم شعائر الله عز وجل: قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
والشعائر جمع شعيرة: وهي كل شيء لله تعالى فيه أمرٌ أشعر به وأعلم كما قال القرطبي رحمه الله.
فالمسلمة التقية هي التي تعظم شعائر الله وأمره، فيدفعها ذلك إلى طاعته طاعة مطلقة، طاعة الذل والخضوع والحب للواحد القهار، وتعظم كذلك ما نهى الله عنه، فيمنعها ذلك عن معصيته، وصدق من قال: أعزوا دين الله يعزكم الله.
فالمسلمة المتمسكة بصلاتها، الحافظة للسانها وعورتها، إنما هي في الحقيقة الأمر معظمة لشعائر الله.