مواجهة الإسلام لأسباب القلق

محاضرات
طبوغرافي

 الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

أيها الأحباب الكرام.. إن الوسواس القهري والاكتئاب له آثار سلبية كثيرة أكثر من أن تحصى، وهذه الآثار والأضرار لا تصيب إلا ضعاف الإيمان الذين لم يتمسكوا بدينهم، ولم يلتجئوا إلى ربهم، ولم يستعينوا بالله تعالى، لأنه لا نجاة لأحد إن لم يستعن بالله تعالى في كل أمور دينه ودنياه، لأن الحياة كلها والنجاة كلها بـ {إياك نعبد وإياك نستعين}، فمن عبد الله وجب عليه الاستعانة به.
إن التأثيرات السلبية للوسوسة كثيرة وخطيرة ونذكر شيئا منها لنبصّر الناس بكيفية التعامل مع هذه الوساوس، وكيفية القضاء عليها والنجاة منها، ومن هذه التأثيرات:

أيها الأحباب.. إن القلب هو موطن الإرادة، فإن الله تعالى ينظر إلى القلب ـ موطن الإرادة، على أنه هو كيان الإنسان، ومصدر صلاحه أو فساده، فيعيب الله عزَّ وجل في القرآن على الكفار أنهم: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179]. ويأخذ عليهم أنهم يهملون إرادتهم حين يتابعون آباءهم على كفرهم، قائلين: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزُّخرف:22]. ويقرر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه النظرة حين يقول: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) .
والإرادة مقسمة إلى ثلاثة أقسام على النحو التالي:
الإرادة الإلهية، فإن الله تعالى إرادته لا تحب لك أن تنهزم، ولا يحب لك أن تنكسر، ولا يريد لك أن تصبح ألعوبة في يد الشيطان، قال تعالى: { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا}، وهو تعالى لا يرضى لك الخسران، ولا يرضى لك أن تنهزم أمام الشيطان.
الإرادة الشيطانية، الشيطان لا يحب لك أن تكون صالحا ناجحا، ولكنه يحب لك أن تكون فاسدا فاشلا، يريد إضلال الناس، يريد تشتيتهم، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}، يعني أن تضيعوا في الدنيا والآخرة، يتمنى لك ضياعا كاملا {ضلالا بعيدا}، يريد أن يوصلك إلى مرحلة تمني الموت، واليأس من رحمة الله تعالى.
والإرادة الشيطانية هي وسوساته وإرسالياته السلبية إلى ذهن الإنسان، فيظل به يوسوس له ويبث إليه هذه الإرساليات حتى يوقعه في شباكه.
عندنا إرادتان؛ إرادة إلهية، وإرادة شيطانية، وأنت بينهما، فإذا اعتصمت بالله وتوكلت عليه واتقيته وعبدته حق عبادته، واستعنت به على الشيطان، لتولى سبحانه وتعالى أمر الدفاع عنك، والحفاظ عليك، وتولاك بحفظه ورعايته، وبهذا تتحقق الإرادة الإلهية وهي النجاة للعبد في الدنيا والآخرة، أما الذين استسلموا للشيطان وتركوا له زمام أمورهم تغلب عليهم الشيطان، وحقق الشيطان مراده، وسيطر على قلبك وفكرك، فمن زاغ عن منهج الله فقد فتح أبواب قلبه للشيطان وللنفس الأمار بالسوء، فإذا بقلبك قد أصبح كريشة معلقة في فلاة، قال تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، فمن أحسن الظن بالله فاز ونجا، ومن أساء الظن بالله فأولئك هم أولياء وأصحاب الشيطان.
كيف تتحقق فيك الإرادة الإلهية؟
وهناك بعض الاساليب والوسائل والطرق التي توصل الإنسان إلى الخير والفضل والنجاة من الشيطان، ونجملها فيما يلي:
-حسن الظن بالله تعالى: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني)). وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أن حسن الظن بالله من حسن العبادة)). وعن أبي هريرة فحسن الظن بالله تعالى موجب لرضا الله عز وجل، ومحقق لغفرانه، وموصل إلى رحمته.
-الاعتصام بالله، قال تعالى: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، فمن توكل علي الله كفاه، ومن اعتصم به نجاه، ومن فوض الأمر إليه هداه، قال تعالي: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}، بلى فإن الله خير الناصرين وخير الحافظين.
-التوكل على الله، قال تعالى: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىءٍ قَدْرًا}، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً))، فإن ثمار التوكل على الله كثيرة لا تحصى، ويفوز بها المسلم في الدنيا قبل الآخرة.
-لا تفتح بابا للشيطان، وذلك باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، والمحافظة على الأذكار، والبعد عن رفقة السوء، وحضور مجالس العلم، والحفاظ على الصلوات في أوقاتها.
وإليك بعض أساليب تقوية الإرادة الإيمانية عند المسلم:
- كُن مؤمناً بالله وقضائه وقدره:
حيث أثبتت العديد من الدراسات الحديثة أن الأشخاص الذين لديهم مستوى إيمان مرتفع تكون قدرتهم على مواجهة محن وأزمات وصدمات الحياة أفضل من الأشخاص الأقل إيماناً؛ كما أن الإيمان بالقدر خيره وشره يجعل الشخص يفلسف كافة الأحداث التي تقع له في صالحه فإن أصابته سراء وشكر كان خيراً له، وإن أصابته ضراء وصبر كان خيراً له، وهذا لا يكون إلا للمؤمن.
- كُفّ عن لوم نفسك:
من المحزن أن تحصر مشاعرك في لومك الدائم لنفسك سواء على ما فعلت أو على مالم تفعل من تصرفات.. فلومك لنفسك على فعل أتيته لن يمنع وقوعه، كما أن لومك لها على فعل لم تأته لم يُعِد لك الموقف نفسه مجدداً.. إنما استبشر وأقبل على حياتك واضعاً أخطائك نصب عينيك لعلك تتفادى مستقبلاً.
- افهم ذاتك:
في الوقت الذي قطع فيه العلم أشواطا هائلة لفهم الطبيعة وما وراء الطبيعة نجد أن الكثير من جوانب النفس الإنسانية ما زالت غامضة ومستعصية الفهم على الإنسان، ومن هنا كان على الفرد أن يحاول فهم ذاته من خلال التعرف على مميزاته وجوانب قصوره دون تهويل أو تهوين لهذا الجانب أو ذاك، فهم الذات يتطلب أن يعي الفرد إمكانياته وقدراته وجوانب الخلل والقصور في شخصيته.
4- ضع أهدافاً مناسبة لإمكانياتك وقدراتك:
إذ من صور المأساة الإنسانية أن يبالغ الشخص فيما يضعه لنفسه من معايير وأهداف يسعى إلى تحقيقها فيصدم نفسياً بعدم قدرته على تحقيق ما تمنى لنفسه (فهو تنماه ولم ينتويه)، كأن يزج الشخص بنفسه دراسة ما من الدراسات قد لا يتفق مع ميوله، مما يجعله يحقق مزيدا من الفشل والذي ينعكس بدوره في حالات الإحباط والتوتر والاكتئاب التي قد يسقط الفرد فيها فتقوده إلى مالا يحمد عقباه.

هذه المحاضرة رقم 19 وألقيت بتاريخ 1/1/2017 بأستوديو قناة الفتح