إن الإسلام دين إنساني يحث على طيب الأخلاق، ويهتم بصحة الإنسان النفسية والجسمية، ولقد حارب الأمور التي تعود على الإنسان بالضرر النفسي، وحث الإنسان على الاهتمام بحياته وبشئونه المعنوية كي يحيا حياة نفسية وانفعالية متزنة، لأن الأمراض الجسمية في أغلب الأحيان يكون مقدماتها وأسبابها الأزمات النفسية الشديدة، فتجد – مثلا – أمراض القلب ناتجة عن الضغوط النفسية والتوترات والقلق، وكذلك أمراض القولون العصبي، وكثير من الأمراض الأخرى.
لذلك وجهنا الله تعالى في قرآنه الكريم إلى وسائل تحصين النفس من الضغوط النفسية والانفعالات التي قد تؤدي بالإنسان إلى المهالك، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}، وقد حث القرآن الكريم على طمأنينة القلب وراحة الصدر وذلك من خلال الإيمان بالله وتوحيده فقال تعالى: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، وبحث عن أسباب الحياة الطيبة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ويدعونا النبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل همّنا في الآخرة، وأن نترك الدنيا، ففي ذلك راحة القلب، واطمئنان النفس، فعن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفوق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له((.
حدد الإسلام بعض المؤشرات للصحة النفسية، وهي:
1 - الجانب الروحي: الإيمان بالله، أداء العبادات، القبول بقضاء الله وقدره، الإحساس الدائم بالقرب من الله، إشباع الحاجات بالحلال، المداومة على ذكر الله
2- الجانب النفسي: الصدق مع النفس، سلامة الصدر من الحقد والحسد والكره، قبول الذات، القدرة على تحمل الإحباط، القدرة على تحمل القلق، الابتعاد عما يؤذي النفس ( الكبرياء، الغرور، الإسراف، التقتير، الكسل، التشاؤم )، التمسك بالمبادئ المشروعة، الاتزان الانفعالي، سعة الصدر، التلقائية، الإقبال على الحياة، السيطرة وضبط النفس، البساطة، الطموح، الاعتماد على النفس.
3- الجانب الاجتماعي: حب الوالدين، حب شريكة الحياة، حب الأولاد، مساعدة المحتاجين، الأمانة، الجرأة في قول الحق، الابتعاد عما يؤذي الناس (الكذب، الغش، السرقة، الزنا، اقتل، شهادة الزور، أكل مال اليتيم، الفتن، الحقد، الحسد، الغيبة، النميمة، الخيانة، الظلم)، الصدق مع الآخرين، حب العمل، تحمل المسؤولية الاجتماعية.
4- الجانب البيولوجي: سلامة الجسم من الأمراض، سلامته من العيوب، سلامته من العيوب الخلقية، عدم تكليفه إلا في حدود طاقته.
فبهذه المؤشرات السابقة يعيش المسلم حياة طيبة مستقرة، ينعم فيها بسلامة الأعصاب وضبط النفس والاستقرار النفسي والانفعالي في ضوء الإسلام الحنيف.
وذكر ابن القيم عددا كثيراً من المؤشرات وأغلبها يدور حول الجانب الروحي والقيمي، وتقويته، وفي نفس الوقت مرتكزاً وطريقاً لتحقيق الصحة النفسية:
1- العبودية: جعل ابن القيم هذه السمة معلماً مهماً لصاحب السعادة، وشرفاً كبيراً لإنسان، وحافظاً له من الأعداء، يقول: " والحق الذي خلق به ولأجله الخلق هو عبادة الله وحده التي هي كمال محبته والخضوع والذل له ولوازم عبوديته من الأمر والنهي والثواب والعقاب ".. وقال: " وإذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها، فهي إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه.."، ويقول أيضاً: " ومبنى (إياك نعبد) على أربع قواعد: التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه من قول اللسان والقلب وعمل القلب والجوارح، وبيانها أن العبودية منقسمة على القلب واللسان والجوارح، وعلى كل منها عبودية تخصه، والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب، ومستحب، وحرام، ومكروه، ومباح، وهي لكل واحد من القلب واللسان والجوارح "
2- الوسطية: ويسميها ابن القيم أحياناً العدل ؛ حيث يقول: " وما قام الوجود إلا بالعدل، فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير " ويقول أيضاً: " فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخير الناس النمط الوسط، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلو المعتدين، والعدل هو الوسط بين طرفي الجور والتفريط. والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف، والأوساط محمية بأطرافها فخيار الأمور أوساطها ".. ثم تحدث عن الوسطية والاعتدال في النوم وبين ضرر الكثرة منه والتقليل منه، وعن الأخلاق حيث قال: "والعدل يحمله على اعتدال أخلاقه وتوسطه فيها بين طرفي الإفراط والتفريط فيحمله على خلق الشجاعة الذي هو توسط بين الجبن والتهور " إلى أن قال: "فإن النفس متى انحرفت عن التوسط انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين ولا بد، فإذا انحرفت عن خلق التواضع انحرفت إما إلى كبر وعلو ؛ وإما إلى ذل ومهانة وحقارة، وصاحب الخلق الوسط مهيب محبوب، عزيز جنابه، حبيب لقاؤه ".
3- البركة: يشير ابن القيم إلى الربط بين الطاعة والمعصية في البركة زيادة ومحقاً، حيث يقول: "إن المعاصي تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة الطاعة، وبالجملة إنها تمحق بركة الدين والدنيا فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله. وليست سعة الرزق والعمل بكثرتها ولا طول العمر بكثرة الشهور والأعوام، ولكن سعة الرزق والعمر بالبركة فيه. وقد تقدم أن عمر العبد هو مدة حياته، ولا حياة لمن أعرض عن الله واشتغل بغيره، فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلبه إلا بمعرفة فاطره ومحبته وعبادته وحده والإنابة إليه والطمأنينة بذكره والأنس بقربه، ومن فقد هذه الحياة فقد الخير كله".
4- الذكر: قال ابن القيم: "وفي الذكر أكثر من مائة فائدة منها: أنه يزيل الهم والغم عن القلب، وأنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط، وأنه يورث المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة " وقال أيضاً: " إن ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله عز وجل، إذ بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان، والغافل خائف مع أمنه حتى كأن ما هو فيه من الأمن كله مخاوف، ومن له أدنى حس قد جرب هذا والله المستعان ".
- الصدق: يقول ابن القيم: " ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله، فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل.. "
يقول الدكتور كمال مرسي: " لم يعد مجرد الصدق في القول والعمل دعوة دينية أخلاقية، بل أضحت مطلباً نفسياً اجتماعياً، بعدما تبين من دراسات كثيرة أن تحري الصدق ينشط أجهزة المناعة الجسمية والنفسية، والكذب يثبطها ويضعفها. ودعا المعالجون النفسيون والأطباء والمرشدون التربويون إلى الصدق في القول والعمل، واعتبروه علامة جيدة في الصحة النفسية، بينما اعتبروا الكذب من عوامل وهن الصحة النفسية والجسمية، وقد توصلت المدرسة السلوكية المعرفية إلى أن الصدق والأمانة والإخلاص تخفف القلق والتوترات، وتزيل الاكتئاب،... وانتهى "بيرسال" من دراساته في علم المناعة النفسية إلى أن الصدق صحة والكذب مرض، وقال: " تحروا الصدق وإن رأيتم الهلكة فيه ؛ فعاقبته خير في كل الأحوال " "
6- الطمأنينة وفرح القلب: يقول ابن القيم: " فالطمأنينة إلى الله سبحانه حقيقة ترد منه سبحانه على قلب عبده تجمعه عليه، وترد قلبه الشارد إليه فتسري تلك الطمأنينة في نفسه، ومفاصله وقواه الظاهرة والباطنة تجذب روحه على الله ويلين جلده وقلبه ومفاصله إلى خدمته والتقرب إليه، ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلا بالله وبذكره، وهو كلامه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم "
واتفقت الدراسات النفسية مع ابن القيم على جعل السعادة والشعور بالأمن وذهاب التوتر معلماً ومؤشراً على الصحة النفسية.
7- الرضا: إن الرضا عند ابن القيم يعني القبول القلبي والحالي، وعدم التسخط، وأنه صفة لمريد السكينة ومعلم ظاهر لأهل السعادة، حيث يقول: " والرضا يشمل الرضا بربوبيته، وألوهيته، والرضا برسوله والانقياد له، والرضا بدينه، والتسليم له، ومن اجتمعت فيه هذه الأربعة فهو الصديق حقاً.. وثمرة الرضا الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى "
8- التعاون والتكميل: أكد ابن القيم أن الحياة الطيبة لا تحصل لمن قصر الخير والنفع على نفسه وأهمل الآخرين، حيث يقول: " فإن الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه مكملاً لغيره، وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية، فصلاح القوة العلمية بالإيمان، وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات وتكميله غيره بتعليمه إياه وصبره عليه، وتوصيته بالصبر على العلم والعمل "
9- الرغبة في الآخرة: يقول ابن القيم:" فأعقل الناس من آثر لذته وراحته الآجلة الدائمة، على العاجلة المنقضية الزائلة، وأسفه الخلق من باع نعيم الأبد، وطيب الحياة الدائمة، واللذة العظمى التي لا تنغيص فيها ولا نقص بوجه ما بلذة منقضية مشوبة بالآلام والمخاوف وهي سريعة الزوال وشيكة الانقضاء ".
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالصحة النفسية للمسلمين:
1 - الشعور بالأمن النفسي:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم دائم الدعوة لأصحابه إلى الإيمان بالله تعالى، ودائم الترغيب لهم في تقوى الله تعالى وطاعته أملاً في الفوز بمغفرته ورضوانه وفي ثوابه العظيم بالنعيم الدائم في الجنة.
وكان هذا الأمل دافعاً قوياً لهم في الإخلاص في عبادة الله وفي الاستقامة في السلوك وفي الابتعاد عن كل مظاهر الانحراف مما كان له أثر كبير في شعورهم بالطمأنينة والأمن النفسي.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبث في أصحابه روح الإخاء والتعاون والتماسك والاكتمال الاجتماعي، ويقوي فيهم روح الانتماء إلى الجماعة ويعزز بينهم أواصر العلاقات الاجتماعية.
عن عبيد الله بن محصن الخطمي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من أصبح آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)).
ففي هذا الحديث أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أسباب رئيسية للسعادة، وهي: الشعور بالأمن في الجماعة، وصحة الجسم، والحصول على القوت.
2- الاعتماد على النفس: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاعتماد على النفس، وتولي شؤونهم بأنفسهم، وعدم الاتكال على الغير في قضاء حاجاتهم.. فعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً ليسأله أعطاه أو منعه)).
3- الثقة بالنفس: زادت التربية النبوية من ثقة المسلم بنفسه، وعملت على تخليصه من الشعور بالنقص والضعف والخوف، وحثته على الاعتزاز بالنفس، وعلى الشجاعة في إبداء الرأي والتعبير عن أفكاره ومشاعره دون خشية من الناس. عن أبي سعيد الخدري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحقر أحدكم نفسه ))، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: ((يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله عز وجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس. فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى)).
4- الشعور بالمسؤولية: من الصفات الهامة(المهمة) للشخصية السوية شعور الفرد بالمسؤولية في شتى صورها، وإذا شعر الفرد بالمسؤولية تجاه المجتمع عم الخير جميع أفراده فشملتهم الصحة النفسية. ولقد عني الرسول صلى الله عليه وسلم بتربية أصحابه على تحمل المسؤولية، فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..)).
5- تأكيد الذات والاستقلال في الرأي: كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينمي في أصحابه تأكيد الذات والاستقلال في الرأي وتجنب التبعية للغير في آرائهم وأعمالهم دون أن يكون ذلك صادراً عن تفكير منهم وروية، ودون أن تكون آراؤهم أو أفعالهم صادرة عن إرادتهم الحرة واختيارهم الشخصي. فعن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت. ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا تجنبوا إساءتهم)).
6- القناعة والرضا بالقضاء والقدر: إن من أهم عوامل راحة بال الإنسان وسعادته قناعته بما قسمه الله تعالى له من رزق، وما وهبه من نعم، وعدم تطلعه إلى من هو أكبر منه ثراء، وأوفر منه نعماً. إن عدم القناعة وعدم الرضا يؤديان إلى سخط الإنسان وتبرمه، ويسببان له التعاسة والشقاء.. فعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)).
وعن أبي هريرة – أيضا- أن الرسول صلى الله عليه قال: ((إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخَلق فلينظر إلى من هو أسفل منه، ذلك أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم )).
7- الصبر: من المؤشرات الهامة للصحة النفسية قدرة الفرد على تحمل مشاق الحياة، والصمود في مواجهة الشدائد والأزمات، والصبر على كوارث الدهر ومصائبه، فلا يضعف أمامها ولا ينهار، ولا يتملكه اليأس. إن الشخص الذي يقابل المصائب والمواقف العصيبة بصبر وثبات، إنما هو شخص سوي الشخصية يتمتع بقدر كبير من الصحة النفسية. وقد أوصانا الله تعالى في كثير من الآيات بالصبر، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن ما يحل بهم من أمراض أو مصائب إنما هو ابتلاء من الله تعالى، يرفعهم بها درجات، ويمحو بها عنهم خطايا، ويكتب لهم حسنات. وكان هذا التعليم النبوي يقوي فيهم عادة الصبر على شدائد الحياة، وتحمل مصائبها بنفس راضية بقضاء الله تعالى، فعن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من خطاياه)).
8- أداء العمل بفاعلية وإتقان: إن الشخص السوي شخص نشيط يؤدي عمله بحيوية وفاعلية، ويحاول دائماً أن يتقن ما يقوم به من أعمال، وأن يؤديها على أحسن وجه.. وهو يرى في أدائه لعمله بمهارة وإتقان تعبيراً صادقاً عن طموحه في التقدم والرقي والكمال النفسي، وعن رغبته الصادقة في القيام بدور فعال في خدمة المجتمع والإسهام بإخلاص في نموه وتقدمه وازدهاره. والإسلام دين حياة وعمل، فهو يحث الإنسان على العمل، وينهى عن الخمول والكسل.. {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على العمل، فعن المقداد بن معد يكرب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)).
9- العناية بصحة الجسم: من مؤشرات الصحة النفسية أيضاً سلامة الجسم وصحته. وقديماً قيل: العقل السليم في الجسم السليم. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعنى بتربية شخصيات أصحابه من جميع نواحيها النفسية والبدنية والاجتماعية. وكان يحثهم على العناية بصحة أجسامهم وبقوتها حتى يكونوا قادرين على نحمل مسؤوليات الجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية. فعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. "، وكان عليه الصلاة والسلام يعتبر صحة الحسم وعافيته من المقومات الرئيسية لسعادة الإنسان: " من أصبح آمناً في سربه، معافى في جسده)).
وهكذا ربى القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم الأمة تربية نفسية سليمة، من اجل حياة خالية من الاكتئاب والقلق والتوتر والضغوط النفسية التي ترهق أعصاب الناس، وتفسد عليهم حلاوة المعيشة، وتكدر صفو حياتهم.