استجابة الدعاء.. هل هي مرتبة اصطفاء أم مرتبة اجتهاد؟

معية الحبيب
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

أيها الأحباب.. إنها معية خاصة، وهي معية المجابين، أي الذين استجاب الله دعاءهم، تلك النوعية الفريدة التي أحدثكم عنها بـفضل الله الملك، نوعية مؤثرة لها عناوين كثيرة، لها لوحات كثيرة، أول هذه اللوحات:
( لو أقسم على الله لأبره) لوحة جميلة، لو قال مالك، أقسم بك عليك لأجابه الملك، ولو قال البراء بن مالك، أقسم بك عليك، لأبره الملك، ولِما لا، {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.


هذا الدرس فيه نقاط عظيمة، هؤلاء مستجابو الدعاء، هل هي مرتبة اصطفاء؟ أم أنها مرتبة اجتهاد، هناك أناس سطّر الله سبحانه وتعالى اسماءهم في الملأ الأعلى، في اللوح المحفوظ، وقال لـملائكته: هؤلاء مستجابو الدعوة، لهم خصوصية دون باقي الخلق.
الأنبياء لا تسقط لهم دعوة، الأنبياء لا يخيب الله تعالى رجائهم، الأنبياء عنوان حياتهم في سورة الأنبياء: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}.
لن أتوقف في هذا الدرس عند سيدنا يونس – عليه السلام - ولا عند سيدنا أيوب – عليه السلام -، ولا عند سيدنا زكريا– عليه السلام -، ممن ورد ذكرهم في سورة الأنبياء، ولا عن باقي الأنبياء، ولا عن سيدنا نوح في سورة القمر: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} لن أتكلم عن سيدنا إبراهيم في سورة الأنبياء عندما أجاب الله تعالى حاله - إجابة دعاء الحال - أجاب الله تعالى دعاء حال إبراهيم عليه السلام، وربما كان شعار بعضهم: علمه بحالي يغنيني عن سؤالي، وتلك علامة من علامات اليقين بـالله تعالى، يا من يعلم حالنا، ويرى مكاننا، ولا يخفى عليه شيئا من أمرنا.
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
الصحابة الكبار – أيها الأحباب - مدرسة كبيرة في اليقين، تعلموها من أستاذهم وأستاذ الكل - صلوات ربي وسلامه عليه - تعلموا منه قوله: ادعوا الله وأنتم موقنون بـالإجابة.. أيها الأحباب دعوني أرحب بـسعد بن أبي وقاص، وأقدم له تحية إجلال، فلقد جاءت الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد دعا لسعد بأن يستجيب الله دعاه إذا دعاه، فكان بناءً على ذلك مستجاب الدعوة، ونبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم : ((اتقوا دعوات سعد)).
شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قـالوا: إنّه لا يحسن يصلي فقال سعد: أمّـا أنا فانّي كنت أصلي لهـم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخْرم عنها أركــد في الأوليين وأحذف الأخرين. قال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق ثم بعث رجالا يسألون عنه في مجــالس الكوفـة فكانوا لا يأتون مجلسا إلا أثنوا عليه خيــرا وقالــوا معروفا حتى أتوا مسجدا من مساجدهـم فسألوا رجلا يقال له أبو سعدة. فقال: اللهم إذا سألتمونا عنه فإنّه كان لا يعـدل في القضية، ولا يقسم بالسوية ولا يسير بالسرية. فقال سعـد: اللّهم إن كان كذابا فأعم بصره وأطل فقره وعرضه للفتن، (وكان سعد مستجاب الدعوة ببركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم له). قال عبد الملك يعني ابن عمير الراوي عن جابر: فأنا رأيته يتعرض للإمـاء في السكك وهو شيخ بلغ من العمر عتيًّا, فإذا قيل له: كيف أنت يا أبا سعدة؟ قال: كبير فقير مفتون, أصابتني دعوة سعد.. إنهم المجابون الذين أجابهم الله رب العالمين.
البراء بن مالك:
جاء يوم فتح تستر في بلاد فارس وفيها حصلت للبراء قصته البطولية الثانية، فقد تحصن الفرس في إحدى القلاع فحاصرهم المسلمون، ولما طال الحصار واشتد البلاء على الفرس استخدم الفرس كلاليب مثبتة في أطراف سلاسل محماة بالنار يلقونها من حصونهم فتخطف من تناله من المسلمين، وكان قد وكُّل إلى البراء وأنس أمر واحد من تلك الحصون، وتسقط إحدى الكلاليب وتعلق بأنس بن مالك، فحاول أن يتخلص منها، ولكنه لم يستطع أن يمس السلسلة لأنها تتوهج لهبا ونارا، وإذا بالبراء يسرع إلى أخيه ويقبض على السلسلة بيديه ويعالجها حتى قطعها، وإذا بكفيه قد ذهب ما فيها من لحم، وينجو أنس بأعجوبة.
واشتدت المعركة فأتى المسلمون إلى البراء، وقالوا له أتذكر يوم قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنك ممن لو أقسموا على الله لأبرهم، فاقسِمْ على ربّك يا براء ليهزمنّهم لنا، فرفع يده إلى السماء وقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، اللهم اهزمهم .. اللهم انصرنا عليهم، وألحقني اليوم بنبيك صلى الله عليه وآله وسلم".
فبرّ الله تعالى بقسمه، ونصر المسلمين على الفرس حتى أدخلوهم الخنادق واقتحموها عليهم وهزموهم شرّ هزيمة وقُتل البراء شهيدا فيها. فرضي الله عنه وأرضاه.
ماذا أقول عن قوم نور الله تعالى خاطرهم بـالإيمان، وزكاهم ورباهم على حب خير الأنام - بأبي أنت وأمي يا رسول الله -.
أصحاب الغار:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالًا عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم، قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بني، وإني استأخرت ذات يوم، فلم آت حتى أمسيت، فوجدتهما ناما فحلبت كما كنت أحلب، فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما وأكره أن أسقي الصبية والصبية يتضاغون عند قدمي حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك، فافرج لنا فرجة نرى منها السماء، ففرج الله فرأوا السماء، وقال الآخر: اللهم إنها كانت لي بنت عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها فأبت علي حتى أتيتها بمائة دينار، فبغيت حتى جمعتها فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت، فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة، ففرج وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجيرا بفرق أرز، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي فعرضت عليه فرغب عنه!
فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله، فقلت: اذهب إلى ذلك البقر ورعاتها، فخذ فقال اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك فخذ فأخذه، فإن كنتَ تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي ففرج الله))،" لا تعجب أخي الحبيب إنه الدعاء والتوسل بصالح الأعمال.
نعم.. هؤلاء هم المجابون الذين استجابوا لله تعالى فاستجاب الله تعالى لهم،.
العباس بن عبد المطلب
ورد في الآثار أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون.
عندما اشتد الجدب والقحط بالناس، صلوا صلاة الاستسقاء كثيرا، لكن لم يستجب الله لهم، إلا لمشيئة أرادها الله تعالى، عندما ذهب سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه - أمير للمؤمنين - إلى العباس بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنه - وأخذ سيدنا عمر بـ يده، قال له: يا عباس، إنّا كنا نستسقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنّا نستسقي بك الآن..
أيعجزُ عمر بن الخطاب أن يقول: يارب اسقنا الغيث؟ لا، لكن العباس له مهمة روحانية وقلبية معينة، يعلم الناس أن هؤلاء الكبار عندما نطلب منهم الدعاء فإن الله تعالى لا يرد دعاءهم. فانهمر الغيث من السماء بفضل الله تعالى.
الرجل الذي توسل بالنبي أن يرد الله عليه بصره:
أتى رجل أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال: "أو أدعك"، قال: يا رسول الله إنه قد شق عليّ ذهاب بصري، فقال: فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي" اللهم إني أتوجه إليك بـ نبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي المرحمة، أن ترد إلي بصري .
فلما قال الرجل كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، رد الله تعالى إليه بصره.