اللغة العربية عيدها الدهر

شعر وشعراء
طبوغرافي

بقلم أد.عبد الله جاد الكريم ( أستاذ اللغة العربية بجامعة جازان )  299723_210328905693508_2178684_n

    يحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية في 18 (الثامن عشر) ديسمبر من كل عام، وتَقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (3190)، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية و ليبيا خلال انعقاد الدورة (190) للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو. والله سبحانه وتعالى كرَّم هذه اللغة وشرفها قبل ذلك بكثيروأفضل من ذلك بكثير؛ عندما أنزل الله تعالى القرآن الكريم باللغة العربية، يقول تعالى:(إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون) (يوسف:2).

    واللغة العربية بسماتها وخصائصها المُتفرِّدة في كثيرٍ من الأحيان كانت ولا تزال قادرةً على حمل الرِّسالة، وتأدية الدور المنوط بها الذي قدَّره الله لها أن تقوم به، وفي هذا الشأن يقول ابن جني:" إنَّ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةِ لُغَـةُ نَبِيِّكَ التي فَضَّلَهَا الله  U على سائِرِ اللُّغَاتِ, وفرعت بها فيه سامي الدرجات"، وما مِنْ لُغَةٍ تستطيعُ أَنْ تُطَاوِلَ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ في شَرَفِهَا, فهي الوسيلةُ التي اُخْتِيْرَتْ لِتَحْمِلَ رِسَالَةَ اللهِ النِّهَائِيَّةِ, وليست منزلتها الرُّوحيةُ هي وحدها التي يسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قُـوَّةٍ وبيانٍ, أمَّا السِّعَةُ فالأمْرُ فيها وَاضِحٌ, ومَنْ يَتْبَعُ جَمِيْعَ اللُّغَاتِ لا يَجِدُ فيها على ما سمعته لُغَةً تُضَاهِي اللغةَ العربيةَ .

   والعربية لغة القرآن الكريم، وهو مهيمن على ما سواه من الكُتب الأخرى, وهذا يقتضي أن تكون لغته مهيمنة على ما سواها من اللغات الأخرى. وهي لغة خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله الله للبشرية جمعاء، واختار الله له اللغة العربية ، وهذا يعني صلاحيتها لأن تكون لغة البشرية جمعاء. قال تعالى: ]بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ([الشعراء:195]، وقال تعالى: ]وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ([النحل:103]، فلمَّا وصفها الله بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرة عنها، وهذا وسام شرف وتاج كلل الله به مفرق العربية، خصوصًا حين ناط الله بها كلامه المنزل، قال تعالى: ]إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ([الزخرف:3]، وقال تعالى: ]كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ([فصلت:3].

وقال حافظ إبراهيم على لسان العربية :

وسعتُ كتاب الله لفظاً وغايةً.... وما ضقت عن آيٍ به وعِظَاتِ

  فهو يشير إلى الطاقات الهائلة والمخزون الضخم الذي تمتلكه العربية التي وسعت هذا القرآن بكل أبعاده وآفاقه. إنَّها  لغة الخلود، حيث لا يمكن أن تزول عن الأرض إلا أن يزول هذا الكتاب المنزّل، وقد تكفَّل الله بحفظها ضمنيًّا في قوله : ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ([الحجر:9].

  واللغة العربية لغة الفصاحة والبيان، قال الفارابي في (ديوان الأدب):" هذا اللسان كلام أهل الجنة, وهو المُنـزَّه من بين الألسنة من كل نقيصة, والمعلى من كل خسيسة, والمهذب ما يستهجن أو يستشنع , فبنى مباني باين بها جميع اللغات من إعراب أوجده الله لـه , وتأليف بين حركة وسكون حلاَّه به ". ونجد الثعالبي يعبر عن هذه اللغة فيقول في مقدمة كتابه "فقه اللغة وسرّ العربية":" من أحبَّ الله تعالى، أحب رسوله محمداً، ومن أحب الرسول العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية، ومن أحب العربية عُني بها ، وثابر عليها ، وصرف همته إليها ، ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان، وآتاه حسن سريرة فيه، واعتقد أن محمدًا  خير الرسل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ولو لم يكن في الإحاطة بخصائصها، والوقوف على مجاريها ومصارفها، والتَّبحر فـي جلائلها ودقائقها إلا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة التي هي عمدة الإيمان ، لكفى بها فضلاً يحسن أثره، ويطيب في الدارين ثمره".‏

   وتعد العربية من أقدم اللغات السامية، وأكثر لغات المجموعة السامية متحدثينَ، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدثها أكثر من(422) مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، وهي من بين اللغات السبع الأكثر استخدامًا في الإنترنت، وكذلك الأكثر انتشارًا ونموًا متفوقةً على الفرنسية والروسية. واللغة العربية ذات أهمية كبيرة لدى المسلمين، فهي لغة القرآن، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها. والعربية هي أيضًا لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى، فكان لها بالغ الأثر في اللغة والدين والأدب اليهودي.

    كما تتميز العربية بقدرتها على التعريب واحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة معينة. فيها خاصية الترادف، والأضداد، والمشتركات اللفظية. وتتميز كذلك بظاهرة المجاز، والطباق، والجناس، والمقابلة والسجع، والتشبيه. وبفنون اللفظ؛ كالبلاغة الفصاحة وما تحويه من محسنات....الخ, وسنعرض فيما بعد حديثًا موجزًا عن خصائص اللغة العربية ومميزاتها .