أ.د/أحمد عادل عبد المولى
اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا، إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت
الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"،
نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.
ولأن اللغة كائن حي؛ فكثيرًا ما نستخدم في حياتنا اليومية تعبيراتٍ وألفاظًا نعتقد أنها منبتّة الصلة عن الفصحى، ولكنها في الحقيقة
من أصل فصيح في لغتنا العربية، من هذا استخدامنا للتعبير (ضرب أخماسًا في أسداس)، وهو تعبيرٌ معاصرٌ، للدَّلالة على الحَيْرة
الشديدة:
جاء في المعجم الموسوعي للتعبير الاصطلاحي في اللغة العربية للدكتور محمد داود وفريق عمل معه: ورد هذا التعبير في القديم،
مع اختلاف طفيف في التركيب، بوضع اللام موضع "في"، واختلاف كبير في الدَّلالة، قال الجَوْهَرِيُّ: "يَضْرِبُ أخماسًا لأسْداس:
أي: يسعى في المكر والخديعة، وأصله من إظماء الإبل خمسة أيَّام، ثم ضُرِبَ مثلًا للذي يُرَاوِغُ صاحبه ويُريه أنَّه يُطيعه، وأصل
ذلك أنَّ شيخًا كان في إبِله ومعه أولاده يرعونها، وطالت غُرْبتهم عن أزواجهم، فقال لهم ذات يوم: ارعوا إبلكم رِبْعًا ـ أي: أربعة
أيَّام لا تشرب فيها ـ فَمَضَوْا في اتجاه أزواجهم، ثم قالوا: لو رعيناها سِدْسًا، لأنهم يرغبون في البقاء مع أهلهم أطول وقت. ففهم
أبوهم وقال: ما أنتم إلَّا ضَرْبُ أخماسٍ لأسداسٍ، ما هِمَّتكم رَعْيُها، إنَّما هِمَّتكم أهلُكم".
وأما في العربية المعاصرة فقد تغيَّرت دلالته تَغَيُّرًا كبيرًا وأصبح بمعنى: الحيرة الشديدة، ولعل سبب هذا التحوُّل الدَّلاليِّ الكبير
توهُّم أنَّ الأخماس والأسداس من الأعداد، وعملية ضرب (1/ 5 × 1/ 6) عملية حِسابية مُـحيِّرة، خاصة قبل الحاسبات وانتشار
قواعد الرياضيَّات وأصولها).
ومن ثمّ نرى أن التعبير الصحيح أصله: ضرب أخماسًا لأسداس، كناية عن المكر والخديعة ثم تُوُهّم أنها أعداد لعملية حسابيّة
معقدة، فتغيرت إلى أخماس في أسداس، كناية عن الحيرة الشديدة، والله تعالى أعلى وأعلم.