جبر الخواطر من الأخلاق الحميدة التي يدعو اليها الإسلام يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل ونبل
محتد وكرامة أصل، وأصالة معدن وشهامة مقدرة ورجولة مباركة.
وكان عليه الصلاة والسلام يجبر كل خاطر كسير حوله فكان الكل يأوي إليه والكل يسعى لديه ، وهاهو يجبر خاطر الطفل
الأنصاري وهو يقول يا أبا عمير، ما فعل النغير، وهو القائل للأنصار لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ ،
وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلاً فَآسَيْنَاكَ أَفَلاَ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ،
وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ فِي رِحَالِكُمْ؟ وهو القائل : «وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا
شَيْئًا.
يقول الدكتور أسامة عبد العليم الشيخ أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بطنطا ـ روي عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني، فالانسان
يطلب من الله تعالي أن يجبر كسره سواء كان في بدنه أو في ماله أو ولده أو دينه أو الجبر يكون للخلل في الانسان عموما في
أعماله وأقواله ـ
ويشير الشيخ إلي أنه وجد في شرعنا وفي تعاملنا مع الناس لكسب قلوبهم ما يسمي بجبر الخاطر وله أدله من كتاب الله وسنة
رسوله عليه الصلاة والسلام، قال تعالي وللمطلقات متاع بالمعروف حقا علي المتقين فجبر خاطر المطلقة بالمتعة، وقال تعالي
وإذا حضر القسمة أولو القربي واليتامي والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ويعني أن الفقراء والمساكين إذا
حضروا تقسيم التركة فلا بأس أن يجبر خاطرهم بشيء من المال، ومن العلماء من قال. إن خاطر سيدنا ابراهيم صلي الله عليه
وسلم جبر لمسالم يؤمن به إلا القليل. فجبر الله تعالي خاطره بأن جعل كل الأنبياء الذين جاءوا بعده من ذريته عليه السلام. وجبر
الله تعالي خاطر الصديق يوسف عليه الصلاة والسلام لما سجن واتهم بأن جعله عزيزا علي مصر. فجاء إخوته يقولون كما قال
الله تعالي فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله
يجزي المتصدقين والكلمة الطيبة تجبر الخاطر أفضل من كثير من المال ومن ثم قال تعالي قول معروف ومغفرة خير من
صدقة يتبعها أذي والله غني حليم.
ويقول د. حسين سمرة أستاذ الشريعة إن جبر الخواطر من الأخلاق التي يجب أن نتخلق بها. ما أحسن أحد الظن بالله إلا وأعطاه
فوق ما يظن كما يقول ابن مسعود وهذا من جبر الخاطر ومن أروع الأحاديث التي ذكرت في جبر الخواطر ما رواه أبو هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال من قطع رجاء من استرجاه قطع الله رجاءه فلم يلج بالجنة.
ويقول الإمام سفيان الثوري ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم وهي جاءت من كلمة جبر أي
جبر الكسر أي تقويمه وإصلاحه وهي أيضا إرضاء أخيك المسلم لله ولو حساب نفسك فمن اشتري من بائع متجول شيئا في حر
الشمس ليس لحاجته لهذا الشيء ولكن جبرا لخاطره ومساعدته.
ومن يشتري شيئا طيب لوالديه من غير مناسبة جبرا لخاطر والديه. ومثل من يجب دعوة فقير رغم انشغاله بأمور أهم جبرا
لخاطره. ويقول عبد الله بن عباس من أعظم الصدقات عند الله تعالي إدخال السرور علي قلب أخيك المسلم.
ومن أعظم سمات الإسلام رفع الحرج عن المكلفين ومراعاة قدراتهم ومشاعرهم وهذا دليل علي سمو الإسلام وسهولته وجبرا
لخاطر أتباعه.
ويروي لدكتور حُسام موافي من أشهر دكاترة الباطنة في مصر أنه سأل الشيخ الشعراوي رحمه الله "ايه يامولانا أفضل عبادة
أعملها تقربني من ربنا سُبحانه وتعالي، خصوصًا إني في أواخر عُمري؟" فقال له: "جبر الخاطر" ، فسأله ماا علي ذلك فرد
الشيخ ربنا قال: أرأيت الذي يُكذب بالدين ؟! "فذلك الذي يدُع اليتيم" يعني بيكسر خاطر اليتيم .. ولا يحُض على طعام المسكين"
يعني يطرد المساكين ولايجبر بخاطرهم!
ويقول العلماء أن جبر الخواطر أحد أفرع العبادات وله أشكال كثيرة، وتطبيقه سهل وبسيط، فمثلًا إذا دخلت إلى مكتبك يومًا،
وجاء إليك عامل «البوفيه» بقهوتك، فشكرته وتبسمت فى وجهه، فأنك تكون حينها قد جبرت خاطره.
وإذا ما احتاج زميل فى العمل المساعدة، وتبرعت بمساعدته فقد جبرت خاطره، وإذا ما رأيت شخصا، وأشدت بجمال مظهره،
حتى وإن كنت لا تراه جميلًا، فهذا يندرج تحت جبر الخواطر.
وعندما ترى شخصًا، وقد حقق إنجازًا ما فى حياته، حتى وإن كان من وجهة نظرك لا يعتبر إنجازًا بالمعنى المفهوم، وهنأته
وشجعته، فهذا جبر خواطر.
وعندما تقول لزوجتك «شكرًا» لتحملها مسئولية البيت والأطفال، فذلك جبر خواطر، وعندما تقولين لزوجك «شكرًا» لأنه يجد
ويكافح من أجل توفير حياة كريمة للأسرة وإسعادها فذلك أيضًا جبر للخواطر.
الابتسامة جبر خواطر، والكلمة الطيبة الحلوة جبر للخواطر، ومساعدة الغير دون سابق معرفة أو سبب لمجرد أنك قادر على
المساعدة جبر خواطر ، وما أروع وأنت في غمرة الحزن أن تمتد إليك يد تسعفك أو تسبق إلى أذنك كلمة تشد من ازرك
وتسعدك ... وتهون من امر المصيبة وتنجدك .... فتقف على رجليك مرة أخرى وتنهض قائماً وتتابع سيرك في هذه الحياة ...