" أحبوا أعداءكم. باركوا لأعنيكم"...
تلك هي رسالة سيدنا عيسي عليه السلام الذي لا يكتمل إيمان المسلم إلا بالإيمان بكل ما جاء به، ومع احتفال أخوتنا الأقباط
بذكري ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام، يطالب علماء الدين بتطبيق رسالة المحبة التي تنادي بها رسولا الإسلام والمسيحية
عليهما الصلاة والسلام إلي الأمن والسلام.
وظهر معدن المصريين النفيس في واقعة تصدي رجال الشرطة لمخطط إرهابي لاستهداف كنيسة مارمينا في حلوان، مما أسفر
عن سقوط عدد من الضحايا والمصابين.
ويعرف المصريون المخطط الخبيث والأهداف المفضوحة التي تقف وراء استهداف الإخوة الأقباط في أيام الأعياد وان المراد
من ورائها شق صف الوطن وضرب وحدته، أكثر ما تستهدف أتباع هذا الدين أو ذلك؛ لذا فإن الرد الموجع عليها يكون بإفشال
أهدافها، والتمسك أكثر بروح الحب والمودة التي تجمع المسلمين والمسيحيين.
وفي كل ذكري لميلاد سيدنا عيسى المسيح عليه السلام، تتجدد سيرته العطرة ومعجزاته بالقدرة على إحياء الموتى، وفي القرآن
الكريم أنه كان ينبئ الناس بما يأكلون ويدخرون، ويعمل من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. وهو الذي أنطقه
الله في المهد صبياً، وبعثه ليحِلَّ لبني إسرائيل ما حُرِّم عليهم.
ومن أهم ما في شخصية المسيح ذلك السلام المجلل والوجه الوضاء، كما وصفه رسولنا الكريم حين اجتمع به في رحلة الإسراء
إلى بيت المقدس.
فهو من أولي العزم من الرسل وقد عاني في حياته معاناة شديدة في سبيل غرس هذه القيم المؤسسة علي العدالة والمساواة.
ومعروف من سيرة المسيح عليه السلام مع تلاميذه وحوارييه ومع من آمنوا به أنه كان يوصيهم ويؤكد وصيته لهم في ترسيخ
هذه القيم عمليا في حياتهم.
دماء واحدة
يقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار علماء الأزهر يقول رب العزة في محكم آياته ( لا ينهاكم الله عن الذين لم
يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). والرسول صلي الله عليه وسلم
تبرأ وقال: أنا خصم لمن يعادي واحدا من هؤلاء من أهل الذمة وأهل العهد. فقال عليه الصلاة والسلام: ألا من ظلم معاهدا أو
انتقصه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس أو كلفه ما لا طاقة له به فأنا حجيجه يوم القيامة (حجيجه أي خصمه). فهم معنا يعيشون
تحت سماء واحدة وفوق أرض واحدة واختلطت دماؤنا في الحروب دفاعا عن الوطن الغالي.
وأضاف: من أجل ذلك أنادي كل أبناء مصر من كل الأطياف ومن جميع الأطراف ألا يسمعوا لإذاعات الأعداء ولا لوسائل
الإعلام التي تحمل الأهواء المشبوهة والتي تريد أن تشعل فتنا علي أرض الكنانة التي صانها رب العزة وجعلها مصونة
ومحفوظة بحفظ رب العالمين.
لا تعقوا الوطن
يقول الدكتور رمضان عبد الرازق أستاذ بالأزهر إن المحبة هي رسالة المسيح ورسالة النبي محمد عليهما السلام والحب جزء
أصيل من مشاعر الإنسان. يقول الله عز وجل ( والذين آمنوا أشد حبا لله). وفي الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن
يعود إلي الكفر بعد إذ أنقذه بالله فكلما ازداد العبد معرفة بربه ازداد له حبا. قال ابن رجب الحنبلي: لا قوت للقلب والروح ولا
غذاء لهما سوي محبة الله محبة تنعكس علي معاملة العبد بمقتضي حاله فيجمع بين المحبة والخوف والرجاء لأن عبادة الله
بالمحبة وحدها لها مخاطرها.
وعند الإمام مسلم في صحيحه أن الله عز وجل يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي. اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا
ظلي. قال ابن عطاء الله السكندري: إذا أردت أن ينفتح لك باب الرجاء فاشهد ما منه إليك وإذا أردت أن ينفتح إليك باب الخوف
فاشهد ما منك إليه. فعندما يملأ الحب القلب يثمر كل معاني العبودية فأعظم الوصايا في جميع الأديان: دين سيدنا موسي وعيسي
ومحمد عليهم السلام تلك الوصية أن تحب الله بقلبك وعقلك وقصدك وهذه حقيقة الحنيفية ملة إبراهيم التي هي أصل شريعة
التوراة والإنجيل والقرآن. عندها لن يعذبك الله؛ لأن الحبيب لا يعذب حبيبه أبدا. ألم يأت الرد القرآني علي اليهود عندما قالوا (
نحن أبناء الله وأحباؤه). فجاء الرد ( قل فلم يعذبكم بذنوبكم ) فلو كنتم أحباءه ما عذبكم؛ لأن الحبيب لا يعذب حبيبه أبدا.
يقول النبي صلي الله عليه وسلم:لا يلقي الله حبيبه في النار. ويقول سيدنا عيسي عليه السلام: أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. فما
أحوج بلدنا مصر في هذه الآونة وتلك الأزمة إلي المحبة التي نادي بها عيسي ومحمد عليهما السلام عندها يخرج الوطن من
عنق الزجاجة وتنتهي أزماته. فيا أهل مصر أحبوا بعضكم البعض لتؤدوا حق وطنكم وتخرجوا به من أزمته ولا تعقوا وطنكم.