حوار/ أحمد الجعبري
الأستاذ الدكتور الطاهر أحمد المكي، عميد الدراسات الأدبية والعربية. أحد أهم سواعد مصر في الحفاظ على الهوية العربية لبلاد المغرب العربي، وأحد كبار مفكري مصر ومثقفيها على مر العصور، اعتنى بأمر الثقافة والترجمة والتحقيق، وقدم للمكتبة العربية عيون الفكر الإسباني والفرنسي واللاتيني، زار القارات الخمس أستاذًا ومعلمًا للثقافة العربية.. حاز على جائزة الدولة التقديرية، بعدما رشحه قسم النحو وليس الأدب، وكرمه الرئيس محمد حسني مبارك بوسام الدولة للفنون والعلوم من الطبقة الأولى.. خاض العديد من المعارك الثقافية الشديدة، واستطاع خلق تيار كبير يستطيع الحفاظ على أصول الكتابة العربية، يرى أن الحل الوحيد لإصلاح حال الثقافة المصرية حل الوزارة والرجوع بها إلى المنظمات الأهلية.
- كيف كانت النشاة، وما دور الوالدين، وهل للبيئة الصعيدية دور في تشكيل الطاهر أحمد المكي؟
نشأة فطرية طبيعية، وجهتها الظروف والأحوال والتقاليد، وباستثناء أن والدي قرر تخصيصي للكتاب؛ لأن لي عمًا سبقني إليه وفشل فشلا ذريعا، لم يكن هناك من خُصص للتعليم غيري، فُأريد مني أن أكون تعويضا له، وللعائلة كلها. ولم يكن لأمي أي أثر لأنها توفيت وأنا في الرابعة من عمري، فتربيت في بيت العائلة وكانت تديره جدتي ( أم أبي ) وكانت سيدة صارمة، نافذة الكلمة، ولم أكن أجد منها أي حنان، لأنها كانت تكره أمي كرهًا شديدًا، ولكنها كانت تحرص عليّ، وعلى مصلحتي، في نطاق مسئوليتها عن العائلة كلها. وقد تزوج أبي بعد وفاة أمي، وكان يقيم في القرية التي منها زوجته، وهي تبعد عن قريتنا الأصلية 2 كيلو متر تقريبًا، ويمضي يومين عندها ويمضي يومين هناك، وكان لها فيها أراض يشرف عليها، وسوف أحمد له تصرفا رائعا، قليلا ما نجده عند الآباء الريفيين في الصعيد، وكان بالغ الأثر في حياتي ، وكان أهل القرية جميعا ينكرونه عليه، وهو الحرية الواسعة التي منحها لي في اختياراتي لأصدقائي ومعارفي. حين حصلت على الابتدائية من معهد قنا، وحدثته في إني أريد أن أذهب إلى مصر ( القاهرة ) لأحصل على الشهادة الثانوية من هناك وافق في الحال رغم أن سني لم يتجاوز إذ ذاك 17 سنة، وكنت الوحيد ربما في المحافظة الذي صنع هذا. واتهمه الناس بأن " هذا رجل يبدو أنه يكره أولاده" وكان ذهابي إلى القاهرة بداية وضع قدمي على الطريق الصحيح، والفضل في توجيهي إلى القاهرة أستاذ لي في معهد قنا، وهو المرحوم الشيخ كامل عجلان، وكان أديبا وصحفيا، وقال لي عندما عرفني في المعهد، وتوسم في الخير: " ما الذي يبقيك في هذا البلد المظلم ( يعني قنا ) أنت مكانك في القاهرة!.
-الطاهر أحمد المكي له دور كبير في الحفاظ على الهوية العربية لبلاد المغرب العربي، كيف كان ذلك؟
لو قلت مصر يصبح الأمر أدق لأن مصر هي التي ابتعثت في السبعينات إلى الجزائر آلاف المدرسين من مختلف المستويات لمعاونتها في ترسيخ الاستقلال، بعد أن انتزعته من فرنسا بالقوة، وقدمت آلاف الشهداء، شهداء يزيدون على المليون. وكانت مصر تدفع لهم جميعا مرتباتهم كما لو كانوا يعملون في مصر فعلا. وتسهم الجزائر في توفير السكن ودعم مالي محدود. وقد كان من بين هؤلاء المبتعثين نخبة من أساتذة الجامعة، عهد إليهم بتعريب التعليم الجامعي، وكنت بين هؤلاء الأساتذة الذي اتجهوا إلى كلية الآداب، وكانت تتبع نظام الشهادات، وهي أربع: اللغويات، الأدب العربي، الإسلاميات، الأدب المقارن. الثلاث الأول يدرسها الطلاب باللغة العربية، والرابعة وهي الأدب المقارن، تدرس في قسم آخر غير قسم اللغة العربية، وهو قسم الأدب المقارن وهو مستقل كبقية الأقسام الأخرى، ولكن الدراسة فيه باللغة الفرنسية كلها. ولا يستطيع الطالب أن ينال الشهادة النهائية، إلا إذا اجتاز امتحان الشهادات الأربع.
وكان هناك مئات من الطلاب الجزائريين، اجتازوا امتحان الشهادات الثلاث التي باللغة العربية، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينالوا الليسانس لأنهم عجزوا عن النجاح في شهادة الأدب المقارن لأنها باللغة الفرنسية في كل تخصصاتها. وسألني رئيس القسم – وهو جزائري – عما إذا كان ممكنا تعريب شهادة " الأدب المقارن "؟ وعما إذا كان ممكنا أن أتولى هذا الأمر؟ وقد كان السؤال بالنسبة لي محرجا، فلم أكن أنا من يُدرس الأدب المقارن في دار العلوم، التي أعمل فيها.. وإسبانيا التي درست فيها لم تكن ممن يهتم بالأدب المقارن، ولكني درسته في مرحلة الليسانس في دار العلوم على أستاذين عظيمين، وأجبته ممكن؛ إذا توفرت لي المصادر. وصحبني إلى مكتبة قسم الأدب المقارن في الكلية؛ فإذا بها تضم كل المصادر والمراجع المتصلة بالأدب المقارن في اللغات الأجنبية، وهكذا قبلت المهمة وبدأت.
راجعت كل ما يدرسونه في القسم الفرنسي فإذا هو : تاريخ العلم، ومناهجه، ومادة تطبيقية، فبدأت بكتابة تاريخه عالميًا، وأضفت إليه ما أهملوه، وهو تاريخه في العلم العربي، ودفعت به إلى الكلية التي تولت كتابته وطبعه، وتوزيعه في شكل مذكرة.. ووجدت الدراسة التطبيقية عن مسرحية le cid التي كتبها راسين الفرنسي، ومسرحية " شيبة السيد " الإسبانية، فقررت على أن يكون الموضوع التطبيقي العربي قريبا من هذا، وهو ملحمة السيد نفسها، وهي الأدب الشعبي الإسباني، على أن أقوم بترجمتها، وأن أردها إلى أصولها العربية، وأن أبرز التأثيرات العربية فيها. وقمت بترجمة النص الإسباني، وتولت الكلية طبعه في شكل مذكرات. ونجحت المحاولة وأنقذت مئات الطلاب الدارسين ممن كان ينقصهم الحصول على هذه الشهادة ليصبحوا من حملة الليسانس، ويعملوا في التدريس، حين جئت القاهرة صيف 1971، حولت هذا العمل إلى كتاب، وواصلت السير فيه إلى الآن، وقدمت إلى المكتبة العربية الكتب التالية فيه:
ملحمة السيد طـ 5، الأدب المقارن، أصوله وتطوره ومناهجه طـ 5، مقدمة في الأدب الإسلامي المقارن طـ 2 (نفدت)، في الأدب المقارن: دراسات نظرية وتطبيقية، طـ 6. أصداء عربية وإسلامية في الفكر الأوربي الوسيط. ( نفد ).
-طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، من أكثر مؤلفاتكم المحققة شهرة، هل لأنه خاطب عاطفة العربي وذوقه الرومانسي؟
كتاب طوق الحمامة من درر الفكر عالميا وحين وصلت إسبانيا في بعثتي، لم أكن أعرف شيئا عنه، وكان ينظر إليه على أنه كتاب " قلة أدب " يتحدث عن الجنس في الوقت الذي كان فيه أول كتاب على المستوى العالمي يحمل عاطفة الحب تحليلا علميا، وقد ترجمته منظمة اليونيسكو إلى كل اللغات العالمية الكبرى ( آخرها اللغة اليابانية منذ أعوام ثلاثة، وهو الآن أكثر الكتب مبيعا في اليابان ) وقد وصلنا في مخطوطة وحيدة، نشرها بتروف، وهو مستشرق روسي عام 1917، فيما أذكر وبعدها في الثلاثينيات نشر في دمشق، وعندما ذاعت أخباره، قامت بين العلماء المحافظين ضجة كبيرة، وزعموا أنه مدسوس لأن ابن حزم من كبار العلماء، وحال أن يكتب في الحب! وأن خصومه يريدون تشويه سمعته! ثم ثبت الكتاب لابن حزم، وأن الذين ثاروا عليه لم يفهموه، والذين ينكرونه عليه، يريدون أن يحرموا الفكر الإسلامي من إحدى درر العلم.
وتولى كبار المستشرقين في كل اللغات دراسته والتعليق عليه، وتصويب ما في المخطوطة الوحيدة من أخطاء، وأما الطبعات العربية، وقد راج الكتاب، فكانت تنشر على نحو تجاري كيفما اتفق، فجاءت مليئة بالأخطاء المطبعية واللغوية والتاريخية، فعز علي هذا الأمر فبذلت جهدي في ضوء المصادر التاريخية الأندلسية، وما كتب المستشرقون في تصويبه، فجاء الكتاب في خير صورة ممكنة، ولما طالت الدراسات والتعليقات، لم أرد أن أثقل بها النص، فأوردتها في كتاب مستقل، وهو دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة، وبعد ذلك راج الكتاب، وعنه نشرت طبعات أخرى مصححة، لم تقل واحدة منها، كلمة حق فيه، وأنا اعتمدت عليه.
-هل للأدب العربي فضل على أوربا؟ ومن أقرب الأدباء أو الشعراء لأوربا وأكثر من أثر بهم؟
نهضة الأدب الأوربي في القرن 13 الميلادي، ولدت في مقاطعة بروفانس ( جنوب فرنسا ) بتأثير من الأدب الأندلسي، وفيما بعد بتأثير من الأدب الإسباني، وهذا ولد شعرا ونثرًا، وتربى في أحضان الأدب العربي في الأندلس، وتحديد أسماء بعينها يتطلب جهدا، ووقتا، وإطالة، لا يتسع لها حوار عاجل.
* الأدب العربي يعاني الآن أزمة إهمال وتجاهل شديدة، ما المدخل لإعادة إحيائه ؟
أنت تعني مصر، الأدب في مصر يعاني ترديا ، وحين تكتب كبرى صحفنا بالعامية، فذلك يعني أشياء كثيرة. وحين تقدم جوائز لمن يكتب بالعامية، ويُعترف بها فذلك يعني أننا ننفذ ما دعا إليه الاستعمار البريطاني في بدء حياته في مصر، وهو سبب تخلف مصر وهو اتخاذها الفصحى وسيلة للتعبير والتعليم، وأن الطريق إلى نهضتها أن تتخذ العامية وسيلة، والمؤامرة واسعة وكبيرة وخطيرة. وتزداد كل يوم اتساعا وربنا يستر!
-من أقرب الشعراء إلى قلب الطاهر المكي، ومن أقرب الأدباء، ولم اختار امرأ القيس ليفرد له مؤلفا كاملا؟
كثيرون: شوقي، والمتنبي، وعبد الله البردوني، ونزار قباني، ومن يقرب من مستواهم. وامرؤ القيس أحيا شعراء الجاهلية إليَّ، أما اختياره للدراسة، فاقتضته ظروف التدريس، ثم جاء فوق ما أتصور باعتراف الجميع. لقد تجاوزت طبعاته العشرون حتى الآن.
-للترجمة بصفة عامة، والأدبية منها خاصة دور كبير في تشكيل الثقافة العامة للمجتمع، أين حركة الترجمة الآن، وكيف ترجع لسابق عهدها؟
أسقطها وشل فاعليتها الفساد، الفساد الذي تسبح فيه وزارة الثقافة منذ تولى أمرها فاروق حسني ، ولا تزال تسبح فيه إلى الآن، والطريق إلى إنقاذ الثقافة كلا من إلغاء وزارة الثقافة، وتحرير الثقافة من الشللية والتبعية والأرزقية والعودة بها إلى المنظمات الأهلية.
-ما الفروق الجوهرية بين الأدب العربي واللاتيني والإسباني؟
الفروق الجوهرية بين أي أدب وآخر تعود إلى المبدع نفسه؛ لأن الأدب انطباع، والانطباعات تتباين وتتفاوت، فالتفاوت يكون بين المبدعين، وليس قواعد مجملة، وهناك فروق بين الآداب الأوربية نفسها؛ لأن ثمة فروق بين طبائع المبدعين وأمزجتهم، والظروف التي يكتبون فيها.
-الأندلس هي درة العرب المفقودة، كيف نعيد الترابط الفكري والثقافي الحقيقي بها، وما أهم الخبرات والدراسات التي ينبغي أن نوجه قبلتنا نحوها الآن نحن العرب؟
أن نكون جديرين بأن يتمنى الآخرون صداقتنا. هناك إسبان كثيرون أصولهم عربية، ويتجلى ذلك في أسمائهم وألقابهم، ولكن حاضرنا المتواضع أقول ذلك تجاوزا! لأنه أدنى من ذلك بكثير لا يجعل أحدًا يشرف بالانتماء إلينا، وعلينا أن نعنى بدراسة تاريخ الأندلس وإسبانيا الآن؛ لأننا لا نكاد نعرف عنهما غير القليل، القليل جدا، وهو أمر مؤسف.
-ما أجمل ذكريات الطاهر مكي ببلاد الأندلس، وما أسوأ تجربة مر بها هناك؟
كلها كانت جميلة، لا أذكر قبل الهوجة الأخيرة أنني تعرضت قولا أو فعلا أو إشارة إلى ما أراه إساءة، وحين انتهت بعثتي، وأخذت الطائرة في مطار مدريد بكيت من قلبي، غلبتني دموعي لم أستطع أن أحبسها، وخاصة أن بعثتي كانت منحة مقدمة من إسبانيا، ولا أعرف ما ينطبق على هذه الفترة إلا موشحة ابن الخطيب.
جادك الغيث إذا الغيث همي ذيازمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس
ولا تعجب إذا قلت لك: إنني على امتداد ثمانية أعوام متوالية، ومرات لا تحصى عدت فيها، لا أذكر أنني مررت بتجربة سيئة، رغم مواقف حرجة كبيرة واجهت فيها ظروفا مفاجئة.
-تحقيق التراث الآن يحيا حياة مزرية.. كيف وصل الأمر لهذا، وكيف نخرج به إلى مكانته الطبيعية ؟
تحقيق التراث يحتاج إلى ثقافة عربية أصيلة، عميقة، واسعة نفتقدها الآن تماما، إن الذين يديرون الثقافة الآن أنصاف أميين، والذين لديهم قدر منها مبعدون، أو هم أنفسم ابتعدوا عنها حفاظا على كرامتهم. كيف نرتقي به؟ آه الإصلاح الجزئي عبث، ولا يمكن أن ينتهي بنا إلى إنجاز، حين يصلح الأمر كله، سوف تنصلح الترجمة، وتحقيق التراث، وحال الصحف والمجلات التي ليس لها عائد مادي ولا ثقافي، وتكلف الدولة نفقات باهظة، وتذهب إلى جيوب الفاسدين.
-ما أكبر المكتسبات لك من أمريكا اللاتينية ومن بلاد الأندلس؟
أعظم شيء اكتسبته من رحلتي إلى أمريكا اللاتينية، أمران: ثقتي ببلدي، رغم كل ما نحن فيه. والأمر الثاني، أنه لا علاج لمشكلات لبلادنا بغير الديمقراطية من غير قيد ولا شرط.
عندما وصلت إلى أمريكا اللاتينية عام 1964 لأول مرة، ورأيت الواقع بعيني قلت هؤلاء أناس أمامهم 500 سنة لكي يصلوا إلى واقعنا الذي نكرهه، ونسعى إلى تغييره. لكني لحظت أنهم رغم كل شيء فإن حرية الرأي لا قيد عليها في الصحافة أو الإذاعة أو التليفزيون أو التأليف، وهنا أنا في مصر تأتينا أخبار، يسعد لها كل مثقف حر، تطيح الثورة في شيلي بأعتى ديكتاتور في عصرنا الحديث، وتصبح البرازيل دولة متقدمة وديمقراطية، وتقف فنزويلا في وجه الولايات المتحدة الأمريكية معارضة، وتنتصر للحرية في كل مكان، وتتقرب الولايات المتحدة من كوبا، وتحاول أن تحسن العلاقات معها، وغير ذلك كثير.
-ما أشد معركة ثقافية أو أدبية خاضها الطاهر المكي، وهل انتصر بها؟
معركة احترام مصطلحات النقد. الشعر له حدود وتعاريف ومعالم، الخروج عليها باسم الشعر الحر( أو السايب أو المنفلت كما يسميه آخرون ) أو قصيدة النثر، وهما لفظان متناقضان معنى، فكلمة نثر مناقضة لقصيدة، رفضت كل هذا، ولم يستطع دعاة هذا الخروج أن يسرقوا مصطلحات الشعر الحق، ومثل ذلك تسمية الزجل شعرا، والزجال شاعرا، رفضت ذلك ومصر عليه، وأعتقد أن إصراري خلق تيارًا رافضًا ومآل كل هذا الكلام الفارغ إلى النسيان.
-ما نصيحتك لكل من يحمل أمر الثقافة في مصر؟
أمر الثقافة بعد التردي الذي انتهت إليه، أصبح عبئا ثقيلا، وهي أكبر من أن تكون مهمة فرد. لا مفر من العودة بها إلى ما كانت عليه قبل 1952 إذا أردنا بعثها والنهوض بها
-هل يمثل الأدب العربي في مناهج أوربا التعليمية، وهل تتاح له المساحة الكافية له هنا في مصر؟
تهتم بعض الجامعات الأوربية بالأدب العربي الحديث لغايات سياسية بحتة، ولا يوجد الآن مستشرقون عظام يجيدون اللغة العربية ويترجمون منها، ولا أعرف أدبا عربيا حديثا ترجم بجدية، علي يد كبار، أما ما نسمعه فادعاءات ليس عليها دليل.
-كيف تقيم حقبة الملك فاروق، وكيف كانت الثقافة واللغة حينها، ومن أكثر الرؤساء حبا للثقافة والأدب، وماذا فعل لهما؟.
راجع واقعنا الثقافي على امتداد القرن العشرين، فسوف تجد كل قممه الثقافية من نتاج عصر فاروق، ولم يكن ازدهار الثقافة يتوقف على حب أحد رسمي؛ لأن الهيئات التي كانت تعنى بها هيئات غير رسمية لا صلة لها بالحكومة.
-كيف ترى واقع النقد الأدبي الآن في مصر، وما معوقاته؟
النقد يرتبط بالإبداع، ولا تتصور نقدا جادا ورفيعا لإبداع هابط، وإبداعنا في الحضيض، العامية بعض ظواهره، فهل تريد نقدا عاميا؟ في الطريق على أية حال.
-الطاهر أحمد المكي تولى التدريس في أكثر من 10 دول سواء أكان ذلك في إفريقيا أو آسيا أو أوربا أو الأمريكتين، ولكننا لم نراه يوما عميدا أو في منصب إداري، هل هذا يرجع إلى شخصية الطاهر الكارهة للإدارة؟
معظم الفترة التي كنت فيها أستاذا، والعميد لا بد أن يكون من الأساتذة كان أمر العمداء يتم بقرار من رئيس الجامعة/ وموافقة الأمن- وكان معروفا عني أني يساري، ومرة أرسل لي رئيس الجامعة، أيام السادات وطلب مني أن أستقيل من التجمع علنا في الصحف. فقلت له شكرًا سيدي الرئيس من قال لك إني راغب في العمادة؟
-جائزتا الدولة التقديرية ووسام الدولة للفنون والعلوم، هدف كل عظيم ومفكر، كيف كانت المنافسة فيهما، وما أهم ذكرياتهما؟
أنا أزهو حقا بجائزة الدولة للأسباب التالية: عندما تولى القسم الذي أنا فيه ترشيحي لم يكن حاضرا، فرشحني وأصر زميل كان حاضرا على ترشيح أحد الأساتذة الآخرين معي، رغم أنه كان مرشحا في العام الماضي ولم ينل غير صوت واحد في مجلس الجامعة، ورشحني قسم آخر( قسم النحو ) وحدي رغم أني لست عضوا فيه، وذهبت الترشيحات لمجلس الكلية أربعة. وأجرى اقتراع سري، ورغم أنني لم أكن عضوا في مجلس الكلية، فقد فزت بالأغلبية ( 10 أصوات) من 17 ، أما الآخرون وكانوا ثلاثة، فقد تقاسموا هذه الأصوات الأخيرة.
وأرسلت النتيجة إلى مجلس الجامعة، والعادة أن يكتب الفائز سيرته، وأن تكتب الكلية مبررات ترشيحه، ولم يحدث هذا. ذهب ترشيحي غير مرفق بأي دعم ولا أوراق في مجلس الجامعة، وصلت بقية الترشيحات، المرحوم محمود مكي من الآداب، والمرحوم د. تمام من تربية الفيوم.
وجرى الاقتراع ففاز الدكتور مكي بخمسة أصوات، والدكتور تمام بأربعة، وفزت أنا بأربعة وثلاثين صوتا، وأحدثت النتيجة دويا في الجامعة، وعندما أعلن فاروق حسني وزير الثقافة الجائزة في المجلس الأعلى نال عاطف صدقي رئيس الوزراء 30 صوتا والطاهر مكي 31 ، وفوجئ فاروق حسني بالرقم وتلجلج، ثم فتحي سرور ونال28 صوتا، واقتصادي آخر كان رئيسا للوزراء أيضا أُنسيت اسمه 26 صوتا؛ وذلك في الفروع المختلفة، أي أنني فزت بأعلى نسبة من الأصوات.
وأذكر أن الدكتور ناصر الأنصاري عضو المجلس، ولا أعرفه، ولا التقيت به من قبل غادر المجلس، وبعد التصويت مباشرة هنأني قبل أن تذاع.
أما وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فقد نلته قبل الجائزة بعامين، حين احتفلت دار العلوم عام 1990 بمناسبة عيدها الماسي؛ وشرف الحفل الرئيس محمد حسني مبارك، وكانت دار العلوم الكلية الوحيدة التي حضر الرئيس مبارك حفلا خاصا بها، وهو أمر لا يزال يحير الجامعيين والساسة حتى الآن، فقد طلبت الرئاسة بعض الأسماء لتمنحها هذا الوسام بهذه المناسبة ، وقدمت الكلية عن طريق الجامعة 36 اسما، وكان العبد لله آخر اسم فيها، فاختارت من العاملين 3 فقط اثنان وكيلان سابقا، وواحدا، وهو أنا من الأساتذة العاملين، ولم يسبق لي أن توليت أي منصب إداري، واحتج بعض الأساتذة، ومنهم عميد سابق، وأصر على أن ينتظر وصول الرئيس، وأن يتقدم إليه بشكواه رسميا، ولكن الحرس حذره من خطورة هذا الأمر، فقد يتعرض لإطلاق الرصاص عليه من الحرس الجمهوري، وأن الأجدر به أن يتقدم بها عن الطريق الإداري الرسمي.
-كيف كانت أصداء الثقافة العربية في الفكر الأوربي في عصر الملك فاروق، وكيف هي الحال الآن؟
لا تسر عدوا ولا صديقًا، لا في عصر فاروق ولا الآن، ولولا جائزة نجيب محفوظ، وهو من نتاج العصر الملكي لكان شأننا الآن لا شيء
-نصيحة يوجهها الدكتور الطاهر أحمد المكي من خلال جريدة الفتح اليوم لكل محب للأدب العربي وعاشق له ؟
أتمنى من كل محب لوطنه، وهذه تساوي محبا للغة العربية، أن يتمسك بالجدية والفصحى، وبكل ما هو رفيع في الإبداع وألا تخدعه طبول الدعاية الجوفاء العالية؛ لأنها تصخب كاذب، سوف تذروه الرياح" فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ "