حوار الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور - الأمين العام لمجمع اللغة العربية لــ "الفتح اليوم":

حوارات
طبوغرافي

 حوار / أحمد الجعبري

أمواج  المخاطر والتشويه التي ترزح تحتها الأمة الإسلامية الآن ، وتلك التي تتحاوم حولها لتضربها في عقيدتها، ليست أصعب ولا أشد ما واجه هذه الأمة التي كانت دائمًا ما تتغلب على كبواتها الكأداء بفضلِ رجالاتها المُخلصين من العُلماء والقادة على السواء، وترافق الفقهاء الصالحين مع القادة العظام مشهور في تاريخنا الإسلامي وأكثر من أن يُحصى.

ولأن أمر هذه الأمة لن ينصلح إلا بما انصلح به أولها فإن اللجوء إلى المتخصصين الكبار والفلاسفة الحقيقيين هو الطريق الأول إلى هذا الصلاح المنشود؛ لذلك أردنا أن نتحدث في لحظاتنا الحرجة هذه مع أحد أعلام الفلسلفة والعقيدة الإسلامية الذين أنار فكرهم عقول أجيال وأجيال من طالبي العلم الوسطي المعتدل والصوفي بخاصة.. إنه فضيلة العالم الكبير الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لمجمع اللغة العربية:

-انهارت الأخلاق واُهدرت القيم..  ظهر الفساد فى البر والبحر..أين المشكلة.. وما طرق العلاج؟
هناك تغيرات في أخلاق الناس نتيجة عادات نشأ الناس عليها أو كانوا ينشأون عليها فأصبح التمسك بهذه الأخلاقيات صعب لأسباب عدة منها ضعف الإيمان وهو الذي يؤدي إلى عدم الانضباط كما يرجع هذا أيضا إلى قلة تناول مسألة الأخلاق في المناهج التعليمية أو في الأواسط الاجتماعية نتيجة ما أصاب الأسرة نفسها من تفكك نتيجة انشغالها عن تربية الأبناء التربية الصالحة كما أنه قد لا يوجد في نفوس الآباء النموذج التعليمي الذي يقتدى به ومن هنا فالجانب الاجتماعي والاقتصادي له أثر في هذه العملية كما أن غياب منطق الثواب والعقاب له دور كبير في تنامي المشكلة فحينما يكافؤ الذي يحسن في جانبه العملي والأخلاقي ويعاقب الذي يخالف تنضبط الأمور ولدينا مسالة في غاية الأهمية أيضا أثرت كثيرا فيما نعانيه اليوم وهو الانفتاح على العالم في عصرنا الحالي والتي جعلت المجتمعات الإنسانية تعيش كأنها مجتمع واحد وتعمل على تقارب أخلاقهم رغم أن كل مجتمع يختلف عن الآخر في الأخلاق والأديان. ونحن جميعا مكلفون بأن نلاحظ هذه التغيرات في المجتمع وكذلك أخلاقياته وأن نتخلص من أي آثار سلبية أو خطيرة والمجتمع بدون أخلاق لا بد وأن يعاني من مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية خطيرة لأن مجتمع بدون أخلاق سيعيش في تخلف وانحطاط.
-هل نحن فى حاجة إلى ثورة لتصحيح المفاهيم المغلوطة فى أذهان الشباب.. وإذا كانت المفاهيم تحتاج إلى تجديد فما هى الشروط الواجب توافرها فى المجدد؟
لا أحب استعمال كلمة ثورة ولكننا يجب أن نعمل علي تخطيط  مستمر لمواجهة المشكلات الاجتماعية التي يستشعر الناس آثارها وتصحيح المفاهيم لدي الشباب وتصحيح الوجهة والقبلة التي يجب أن يقصدها الناس لكي يكون مجتمعا ساعيا إلي الخير وإذا كنا نتحدث عن تخطيط لمعالجة ظروف المجتمع فإنه يجب أن يكون التخطيط أخلاقيا وتربويا داخل المناهج التعليمية ويكون هناك مثال يحتذى به ويري الشباب سلوكه فيتأثروا به وتترسخ في نفوسهم وأذهانهم وتمتزج بمشاعرهم على المدي البعيد فيرقي المجتمع.
ونحن نحتاج إلي المجددين في كافة الأمور الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية الذين يتحملون هذه المسئولية ويشترط في المجدد هذا أن يكون علي علم بما يعترض له وعليه وأن يكون من أهل الإخلاص حتي يحقق التجديد المرجى وأن يكون ذا نفس طويل حتي يستمر في التجديد وأن يتحلى بالصبر والتكامل حتي نصل إلى الغاية التي يرتجيها المجتمع.
   - حتى الآن لا يوجد مفهوم واضح ومحدد لتجديد الخطاب الدينى.. كيف يمكن لنا معالجة كل من الثوابت والمتغيرات وفق ما تقتضية قضية التجديد؟
لدينا قضايا تعد من الثوابت وأخرى بالمتغيرات فأما المرتبطة بالثوابت فيجب الحرص عليها وحسن تقديمها للذين يعيشون في ظلها وبيان المبررات التي تدعونا إلى الحفاظ علي هذه الثوابت والتي تتعلق بهوية الأمة وشخصيتها وأخلاقياتها و الطرق الرشيدة التي تعمل علي الحفاظ عليها واستمرارها لكن هناك أمور متغيرة مثل أن نقارن بين المجتمع الآن ومن قبل فسنجد نقلة كبيرة في المجتمع بما يتعلق بظروف الناس لذلك يجب أن تلك المتغيرات وتتكامل وتتوافق مع الثوابت وتتنوع تبعا للثوابت. والاختلاف مع هذه الثوابت سيعقبها تغير في حياة الناس ولكن إذا كانت متناسقة معها فسيؤدي إلى تقبل الناس لها مثلما نتحدث عن عمليات نقل الدم فإننا لا نستطيع نقل أي فصيلة ومن هنا فإنه لن يكون ما يأتي من المجتمعات الأخري متفقا مع الأصل و التراث وإلا أدي إلى إضعاف البنية لهذا المجتمع.
  - ألا ترون أن هناك خللا بين قضايا العقيدة وتطبيقها ؟
هناك ارتباط شديد بين العمل والعقيدة والفصل بينهما كالفصل بين أشياء يجب أن تكون متماسكة ولهذا أي مجتمع لا  يطبق قواعد اعتقاده  في عمله يظهر به العيوب والسيئات والآثام الذميمة وهذا الخلل قديم ظهر في مجتمعات قديمة وأدى إلى ظهور أخطاء ومعاصي وسلبيات كثيرة ومن هنا فإن الأمر ليس جديدا لكن المشكلة التي تتعلق بالعصر الحديث هي أن المسافة التي بين الاعتقاد والتطبيقات المتعلقة به أصبحت بعيدة وعلي الناس أن تراجع أنفسها حتي تقترب منها مرة أخرى لأن هناك ارتباط بينهما وعلي سبيل المثال يقول الرسول صلي الله عليه وسلم "لا إيمان لمن لا أمانة له " وأيضا يقول الرسول الكريم " لا دين لمن لا عهد له " ومن ينفصل باعتقاده عن عمله يوجد سيئات كبيرة تؤثر في مصير الإنسان  ولهذا لا بد أن يكون هناك فهم واع لهذه القضية فالتقصير في تطبيق المعتقدات يؤدي إلى عقيدة جوفاء لا تثمر ولا تنتج كالشجرة التي لا يستظل تحتها ولا تثمر وجذورها غير موجودة ولهذا كثرت أحاديث الرسول الكريم الداعية لحسن معاملة المسلم وتطبيق الإسلام ميدانيا وحياتيا "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن.. قالوا من يارسول الله قال من لا يأمن جاره بوائقه "وقال في حديث آخر " لا يدخل الجنة من بات شبعان وجاره جائع " .
-كيف نرد الشبهات حول القيم الكبرى فى الإسلام؟
حرص الإسلام علي القيم التي دعا إلى وجودها وفرضها مثل العدل والتعاون والصدق والأمانة.. إلخ وأن تطبق واقعيا في حياتنا الملموسة حتى يتحقق الإسلام كاملا في حياتنا وبمنظورنا إلي هذه الأخلاقيات والتي قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فهي تدل علي شدة ارتباطهما بصميم الإسلام فالإيمان لن يكتمل إلا بها.. وبالتطبيق الذي يحقق للناس اقتناعا وحضورا في أذهانهم وضرورة الاهتمام بها وبثها في النطاق الاجتماعي وإذا اتضحت هذه القيم وآثارها فإننا بذلك نستطيع أن نرد علي أى شبهة توجه نحو احترام الإسلام للإنسان ومن خلال ذلك لا يمكن الشك مثلا في العدل فى الإسلام حيث إننا نعلم أن الله هو العدل وأن الله حرم الظلم وأنه أنزل الأنبياء بما معهم من كتب لذلك، وبذلك نقول إن الظلم الذي يتعرض له الإنسان لا يجب أن ينسب إلى الإسلام وإنما إلى من يسيئون فهم الإسلام.
-الفهم والاستنباط في الدين.. لمن؟
لا حظنا كثيرًا الفوضى التي خلفها من يسيئون فهم الدين ويتحدثون عنه ولا يتحقق فيهم القدرة على الاستنباط فلو اتبعوا قول الله عز وجل ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) أي أهل الفقه والعلماء والاجتهاد وهذه المسألة يجب أولا تحديدها بوضوح وألا يتم سؤال من لا تتوافر فيه هذه الشروط ومن حيث المبدأ فنحن لا نسمح لمن لا يفهم هذا الدين أن يتحدث فيه فمن لا يحسن الطب مثلا يجب ألا يعمل في نطاق الأطباء فهي تخصصات وأهل الذكر في كل تخصص هم من لهم الحديث عن تخصصهم والدين له من تخصص بدراسته. ومن يريد الفقه والقدرة على الاستنباط والفتوى أن يعرف اللغة العربية والعلم بالقرآن الكريم والسنة وأن يعرف اجتهادات العلماء في المسائل الدينية والمعرفة الجيدة بأصول الفقه ويجب أن يعرف فقه الواقع وكيفية تطبيق أحكام الله تعالى في حياتنا اليومية ويجب أن يكون لديه ورع حتى يقدر على استنباط الأحكام ويكون له رأي مستقل صحيح.
-هل في علم الكلام أوالفلسفة ما يشوبهما من حرمة ؟
 قد يشوبهما وقد لا يشوبهما تبعا للوظيفة التي يؤديها أي علم فمثلا إذا كانت الوظيفة هي تثبيت العقائد وانتهت الآراء الكلامية أو الفلسفية إلى مضمون النصوص الشرعية المسلم بها فهذا مباح ليس محرما أما إذا خالفت ما نصت عليه النصوص والسنة النبوية من أصول الدين فهذه حرمة كبيرة أو بمعنى آخر عندما يؤدي إلى الشك وهذا ما نوه عنه الإمام الغزالي رضي الله عنه في كتابه ( المنقذ من الضلال) وانتهى به الأمر إلى تكفير الفلاسفة في بعض المسائل لأنهم أبدوا رأيهم وكانوا على خطأ وكفرهم لذلك.
-الفرق بين الفكر الإسلامي عموما وبين الفلسفة ؟
الفكر الإسلامي هو كل فكر منبثق من القرآن الكريم والسنة المشرفة فهو بذلك جهد بشري قابل لأن يصيب وأن يخيب مثل فكر الإمام محمد عبده والإمام محمد إقبال وغيرهم أما الفلسفه فهي لا تتوقف على مصدر واحد بل اثنين العقل الإنساني والنص الذي يسعي إلى إثباته